روى
مسلم عن
أبي بن كعب :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832778أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عند أضاة بني غفار ، فأتاه جبريل عليه السلام فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف ; فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك . ثم أتاه الثانية فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين ; فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك . ثم جاءه الثالثة فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف ; فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك . ثم جاءه الرابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا . وروى
الترمذي عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832779لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل فقال : يا جبريل إني بعثت إلى أمة أمية منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لا يقرأ كتابا قط فقال لي يا محمد القرآن أنزل على سبعة أحرف . قال هذا : حديث صحيح . وثبت في الأمهات :
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم والموطأ
وأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرها من المصنفات والمسندات قصة
عمر مع
هشام بن حكيم ، وسيأتي بكماله في آخر الباب مبينا إن شاء الله تعالى .
وقد اختلف العلماء في
المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=13053أبو حاتم محمد بن حبان البستي ، نذكر منها في هذا الكتاب خمسة أقوال :
الأول - وهو الذي عليه أكثر أهل العلم
nindex.php?page=showalam&ids=16008كسفيان بن عيينة nindex.php?page=showalam&ids=16472وعبد الله بن وهب nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي وغيرهم : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة ، نحو أقبل وتعال وهلم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : وأبين ما ذكر في ذلك حديث
أبي بكرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836660جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال اقرأ على حرف ; فقال ميكائيل : استزده ; فقال : اقرأ على حرفين ; فقال ميكائيل : استزده ، حتى بلغ إلى سبعة أحرف ; فقال : اقرأ فكل شاف كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة ; على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل . وروى
ورقاء عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد عن
ابن عباس عن
أبي بن كعب أنه كان يقرأ :
للذين آمنوا انظرونا [ الحديد : 13 ] : للذين آمنوا أمهلونا ، للذين آمنوا أخرونا ، للذين آمنوا ارقبونا . وبهذا الإسناد عن
أبي أنه كان يقرأ :
كلما أضاء لهم مشوا فيه [ البقرة : 20 ] : مروا فيه ، سعوا فيه ، وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم قال الزهري : إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد ليس يختلف في حلال ولا حرام .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : إنما كانت السعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغاتهم ، لأنهم كانوا أميين لا يكتب إلا القليل منهم ; فلما كان يشق على كل ذي لغة أن يتحول إلى غيرها من اللغات ; ولو رام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة ، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذ
[ ص: 53 ] كان المعنى متفقا ، فكان كذلك حتى كثر منهم من يكتب وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقدروا بذلك على تحفظ ألفاظه ، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : فبان بهذا أن تلك السبعة الأحرف إنما كان في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك ، ثم ارتفعت تلك الضرورة فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف ، وعاد ما يقرأ به القرآن على حرف واحد .
روى
أبو داود عن
أبي قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832780يا أبي إني أقرئت القرآن فقيل لي على حرف أو حرفين فقال الملك الذي معي قل على حرفين فقيل لي على حرفين أو ثلاثة فقال الملك الذي معي : قل على ثلاثة حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال : ليس منها إلا شاف كاف إن قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب . وأسند
ثابت بن قاسم نحو هذا الحديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر من كلام
ابن مسعود نحوه . قال
القاضي ابن الطيب : وإذا ثبتت هذه الرواية - يريد حديث
أبي - حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ ، فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما لله تعالى في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالف .
القول الثاني - قال قوم : هي سبع لغات في القرآن من لغات العرب كلها ; يمنها ونزارها ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجهل شيئا منها ، وكان قد أوتي جوامع الكلم ; وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه ، ولكن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن ، فبعضه بلغة
قريش ، وبعضه بلغة
هذيل ، وبعضه بلغة
هوازن ، وبعضه بلغة
اليمن . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : على أن في القرآن ما قد قرئ بسبعة أوجه ، وهو قوله :
وعبد الطاغوت [ المائدة : 60 ] . وقوله :
أرسله معنا غدا يرتع ويلعب [ يوسف : 12 ] وذكرها وجوها ، كأنه يذهب إلى أن بعضه أنزل على سبعة أحرف لا كله . وإلى هذا القول - بأن
القرآن أنزل على سبعة أحرف ، على سبع لغات - ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد القاسم بن سلام واختاره
ابن عطية . قال
أبو عبيد : وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض ، وذكر حديث
ابن شهاب عن
أنس أن
عثمان قال لهم حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف : ما اختلفتم أنتم
وزيد فاكتبوه بلغة
قريش ، فإنه نزل بلغتهم . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وذكر حديث
ابن عباس قال : نزل القرآن بلغة
الكعبين ; كعب
قريش وكعب
خزاعة . قيل : وكيف ذلك ؟ قال : لأن الدار واحدة . قال
أبو عبيد : يعني أن
خزاعة جيران
قريش فأخذوا بلغتهم .
قال
القاضي ابن الطيب رضي الله عنه : معنى قول
عثمان فإنه نزل بلسان
قريش ، يريد معظمه وأكثره ، ولم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره منزل بلغة
قريش فقط ، إذ فيه كلمات وحروف هي خلاف لغة
قريش ، وقد قال الله تعالى :
إنا جعلناه قرآنا عربيا [ الزخرف : 3 ] ولم يقل
قرشيا ; وهذا يدل على أنه منزل بجميع لسان العرب ، وليس لأحد أن يقول : أنه أراد
قريشا من العرب دون غيرها ، كما أنه ليس له أن يقول : أراد لغة
عدنان دون
قحطان ، أو
ربيعة دون
مضر ; لأن اسم العرب يتناول جميع هذه القبائل تناولا واحدا .
[ ص: 54 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : قول من قال إن القرآن نزل بلغة
قريش معناه عندي في الأغلب ، والله أعلم ; لأن غير لغة
قريش موجودة في صحيح القراءات من تحقيق الهمزات ونحوها ،
وقريش لا تهمز . وقال
ابن عطية : معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=830050أنزل القرآن على سبعة أحرف أي فيه عبارة سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن ، فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة
قريش ، ومرة بعبارة
هذيل ، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظ ، ألا ترى أن " فطر " معناه عند
قريش : ابتدأ فجاءت في القرآن فلم تتجه
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس ; حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر ، فقال أحدهما . أنا فطرتها ; قال
ابن عباس : ففهمت حينئذ موضع قوله تعالى :
فاطر السماوات والأرض [ الأنعام : 14 ] وغيرها . وقال أيضا : ما كنت أدري معنى قوله تعالى :
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق [ الأعراف : 89 ] حتى سمعت
بنت ذي يزن تقول لزوجها : تعال أفاتحك ; أي أحاكمك . وكذلك قال
عمر بن الخطاب وكان لا يفهم معنى قوله تعالى :
أو يأخذهم على تخوف [ النحل : 47 ] أي على تنقص لهم . وكذلك اتفق
لقطبة بن مالك إذ
nindex.php?page=hadith&LINKID=832781سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصلاة : والنخل باسقات [ ق : 10 ] ذكره
مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر إلى غير ذلك من الأمثلة .
القول الثالث : أن هذه اللغات السبع إنما تكون في
مضر ; قاله قوم ، واجتمعوا بقول
عثمان : نزل القرآن بلغة
مضر ، وقالوا : جائز أن يكون منها
لقريش ، ومنها
لكنانة ، ومنها
لأسد ، ومنها
لهذيل ، ومنها
لتيم ، ومنها
لضبة ، ومنها
لقيس ; قالوا : هذه قبائل
مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب ; وقد كان
ابن مسعود يحب أن يكون الذين يكتبون المصاحف من
مضر . وأنكر آخرون أن تكون كلها من
مضر ، وقالوا : في
مضر شواذ لا يجوز أن يقرأ القرآن بها ، مثل كشكشة
قيس وتمتمة
تميم ; فأما كشكشة
قيس فإنهم يجعلون كاف المؤنث شينا ، فيقولون في
جعل ربك تحتك سريا [ مريم : 24 ] : جعل ربش تحتش سريا ; وأما تمتمة
تميم فيقولون في الناس : النات ، وفي أكياس : أكيات . قالوا : وهذه لغات يرغب عن القرآن بها ، ولا يحفظ عن السلف فيها شيء .
وقال آخرون : أما إبدال الهمزة عينا وإبدال حروف الحلق بعضها من بعض فمشهور عن الفصحاء ، وقد قرأ به الجلة ، واحتجوا بقراءة
ابن مسعود : ليسجننه عتى حين ; ذكرها
أبو داود ; وبقول
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة :
فعيناك عيناها وجيدك جيدها ولونك إلا عنها غير طائل
يريد إلا أنها .
القول الرابع : ما حكاه صاحب الدلائل عن بعض العلماء ، وحكى نحوه
القاضي ابن الطيب قال : تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعا : منها ما تتغير حركته ، ولا يزول معناه ولا صورته ، مثل :
هن أطهر لكم وأطهر ،
ويضيق صدري ويضيق . ومنها ما لا تتغير صورته ويتغير
[ ص: 55 ] معناه بالإعراب ، مثل :
ربنا باعد بين أسفارنا [ سبإ : 19 ] وباعد . ومنها ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف ، مثل قوله : ننشزها وننشرها . ومنها ما تتغير صورته ويبقى معناه :
كالعهن المنفوش وكالصوف المنفوش . ومنها ما تتغير صورته ومعناه ، مثل :
وطلح منضود ، وطلع منضود . ومنها بالتقديم والتأخير كقوله :
وجاءت سكرة الموت بالحق وجاءت سكرة الحق بالموت . ومنها بالزيادة والنقصان ، مثل قوله : تسع وتسعون نعجة أنثى ، وقوله : وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين ، وقوله : فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم .
القول الخامس : أن المراد بالأحرف السبعة معاني كتاب الله تعالى ، وهي أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال . قال
ابن عطية : وهذا ضعيف لأن هذا لا يسمى أحرفا ، وأيضا فالإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني . وذكر
القاضي ابن الطيب في هذا المعنى حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : ولكن ليست هذه هي التي أجاز لهم القراءة بها ، وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة ; ومنه قوله تعالى :
ومن الناس من يعبد الله على حرف [ الحج : 11 ] فكذلك معنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك . وقد قيل : إن المراد بقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830050أنزل القرآن على سبعة أحرف القراءات السبع التي قرأ بها القراء السبعة ; لأنها كلها صحت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا ليس بشيء لظهور بطلانه على ما يأتي .