قوله تعالى وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون قوله تعالى
وبينهما حجاب أي بين النار والجنة - لأنه جرى ذكرهما - حاجز ; أي سور . وهو السور الذي ذكره الله في قوله :
فضرب بينهم بسور .
[ ص: 190 ] وعلى الأعراف رجال أي على أعراف السور ; وهي شرفه . ومنه عرف الفرس وعرف الديك . روى
عبد الله بن أبي يزيد عن
ابن عباس أنه قال : الأعراف الشيء المشرف . وروى
مجاهد عن
ابن عباس أنه قال : الأعراف سور له عرف كعرف الديك . والأعراف في اللغة : المكان المشرف ; جمع عرف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم : سألت
الكسائي عن واحد الأعراف فسكت ، فقلت : حدثنا
إسرائيل عن
جابر عن
مجاهد عن
ابن عباس قال : الأعراف سور له عرف كعرف الديك . فقال : نعم والله ، واحده يعني ، وجماعته أعراف ، يا غلام ، هات القرطاس ; فكتبه .
وهذا الكلام خرج مخرج المدح ; كما قال فيه
رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وقد تكلم العلماء في
أصحاب الأعراف على عشرة أقوال : فقال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=21وحذيفة بن اليمان nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم . قال
ابن عطية : وفي مسند
خيثمة بن سليمان " في آخر الجزء الخامس عشر " حديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار . قيل : يا رسول الله ، فمن استوت حسناته وسيئاته ؟ قال : أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون . وقال
مجاهد : هم قوم صالحون فقهاء علماء . وقيل : هم الشهداء ; ذكره
المهدوي . وقال
القشيري : وقيل هم فضلاء المؤمنين والشهداء ، فرغوا من شغل أنفسهم ، وتفرغوا لمطالعة حال الناس ; فإذا رأوا أصحاب النار تعوذوا بالله أن يردوا إلى النار ، فإن في قدرة الله كل شيء ، وخلاف المعلوم مقدور . فإذا رأوا أهل الجنة وهم لم يدخلوها بعد يرجون لهم دخولها . وقال
شرحبيل بن سعد : هم المستشهدون في سبيل الله الذين خرجوا عصاة لآبائهم . وذكر
الطبري في ذلك حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه تعادل عقوقهم واستشهادهم . وذكر
الثعلبي بإسناده عن
ابن عباس في قوله عز وجل :
وعلى الأعراف رجال قال : الأعراف موضع عال على الصراط ، عليه
العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=315وجعفر ذو الجناحين ، رضي الله عنهم ، يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه . وحكى
الزهراوي أنهم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم ، وهم في كل أمة . واختار هذا القول
النحاس ، وقال : وهو من أحسن ما قيل فيه ; فهم على السور بين الجنة والنار . وقال
الزجاج : هم قوم أنبياء . وقيل : هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم فيقع في
[ ص: 191 ] مقابلة صغائرهم . وتمنى
nindex.php?page=showalam&ids=267سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف ; لأن مذهبه أنهم مذنبون . وقيل : هم أولاد الزنى ; ذكره
القشيري عن
ابن عباس . وقيل : هم ملائكة موكلون بهذا السور ، يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار ; ذكره
أبو مجلز . فقيل له : لا يقال للملائكة رجال ؟ فقال : إنهم ذكور وليسوا بإناث ، فلا يبعد إيقاع لفظ الرجال عليهم ; كما أوقع على الجن في قوله :
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن . فهؤلاء الملائكة يعرفون المؤمنين بعلاماتهم والكفار بعلاماتهم ; فيبشرون المؤمنين قبل دخولهم الجنة وهم لم يدخلوها بعد فيطمعون فيها . وإذا رأوا أهل النار دعوا لأنفسهم بالسلامة من العذاب . قال
ابن عطية : واللازم من الآية أن على الأعراف رجالا من أهل الجنة يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وصف من الاعتبار في الفريقين .
يعرفون كلا بسيماهم أي بعلاماتهم ، وهي بياض الوجوه وحسنها في أهل الجنة ، وسوادها وقبحها في أهل النار ، إلى غير ذلك من معرفة حيز هؤلاء وحيز هؤلاء . قلت : فوقف عن التعيين لاضطراب الأثر والتفصيل ، والله بحقائق الأمور عليم . ثم قيل : الأعراف جمع عرف وهو كل عال مرتفع ; لأنه بظهوره أعرف من المنخفض . قال
ابن عباس : الأعراف شرف الصراط . وقيل : هو جبل أحد يوضع هناك . قال
ابن عطية : وذكر
الزهراوي حديثا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836064إن أحدا جبل يحبنا ونحبه وإنه يوم القيامة يمثل بين الجنة والنار يحبس عليه أقوام يعرفون كلا بسيماهم هم إن شاء الله من أهل الجنة . وذكر حديثا آخر عن
صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إن أحدا على ركن من أركان الجنة . قلت : وذكر
أبو عمر عن
أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836066أحد جبل يحبنا ونحبه وإنه لعلى ترعة من ترع الجنة .
[ ص: 192 ] قوله تعالى
ونادوا أصحاب الجنة أي نادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة .
أن سلام عليكم أي قالوا لهم سلام عليكم . وقيل : المعنى سلمتم من العقوبة .
لم يدخلوها وهم يطمعون أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف ، أي لم يدخلوها بعد .
وهم يطمعون على هذا التأويل بمعنى وهم يعلمون أنهم يدخلونها . وذلك معروف في اللغة أن يكون طمع بمعنى علم ; ذكره
النحاس . وهذا قول
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهما ، أن المراد أصحاب الأعراف . وقال
أبو مجلز : هم أهل الجنة ، أي قال لهم أصحاب الأعراف سلام عليكم وأهل الجنة لم يدخلوا الجنة بعد وهم يطمعون في دخولها للمؤمنين المارين على أصحاب الأعراف . والوقف على قوله :
سلام عليكم . وعلى قوله :
لم يدخلوها . ثم يبتدئ
وهم يطمعون على معنى وهم يطمعون في دخولها . ويجوز أن يكون
وهم يطمعون حالا ، ويكون المعنى : لم يدخلها المؤمنون المارون على أصحاب الأعراف طامعين ، وإنما دخلوها غير طامعين في دخولها ; فلا يوقف على
لم يدخلوها .