[ ص: 215 ] قوله تعالى
واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى
وبوأكم في الأرض فيه محذوف ، أي بوأكم في الأرض منازل .
تتخذون من سهولها قصورا أي تبنون القصور بكل موضع .
وتنحتون الجبال بيوتا اتخذوا البيوت في الجبال لطول أعمارهم ; فإن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم . وقرأ
الحسن بفتح الحاء ، وهي لغة . وفيه حرف من حروف الحلق ; فلذلك جاء على فعل يفعل .
الثانية : استدل بهذه الآية من أجاز البناء الرفيع كالقصور ونحوها ، وبقوله :
قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق . ذكر أن ابنا
لمحمد بن سيرين بنى دارا وأنفق فيها مالا كثيرا ; فذكر ذلك
لمحمد بن سيرين فقال : ما أرى بأسا أن يبني الرجل بناء ينفعه . وروي أنه عليه السلام قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836093إذا أنعم الله على عبد أحب أن يرى أثر النعمة عليه . ومن آثار النعمة البناء الحسن ، والثياب الحسنة . ألا ترى أنه إذا اشترى جارية جميلة بمال عظيم فإنه يجوز وقد يكفيه دون ذلك ; فكذلك البناء . وكره ذلك آخرون ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري وغيره . واحتجوا بقوله عليه السلام :
إذا أراد الله بعبد شرا أهلك ماله في الطين واللبن . وفي خبر آخر عنه أنه عليه السلام قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836095من بنى فوق ما يكفيه جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه .
قلت : بهذا أقول ; لقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836096وما أنفق المؤمن من نفقة فإن خلفها على الله عز وجل إلا ما كان في بنيان أو معصية . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله وخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني . وقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836097ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال : بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء أخرجه
الترمذي .
الثالثة : قوله تعالى :
فاذكروا آلاء الله أي نعمه . وهذا يدل على أن الكفار منعم عليهم . وقد مضى في " آل عمران " القول فيه . ولا تعثوا في الأرض مفسدين تقدم في
[ ص: 215 ] " البقرة " والعثي والعثو لغتان . وقرأ
الأعمش ( تعثوا ) بكسر التاء أخذه من عثي يعثى لا من عثا يعثو .