قوله تعالى
فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين فيه خمس مسائل : الأولى : روى
إسرائيل عن
سماك عن
نوف الشامي قال : مكث
موسى صلى الله عليه وسلم في آل فرعون بعدما غلب السحرة أربعين عاما . وقال
محمد بن عمان بن أبي شيبة عن
منجاب : عشرين سنة ، يريهم الآيات : الجراد والقمل والضفادع والدم .
الثانية : قوله تعالى : الطوفان أي المطر الشديد حتى عاموا فيه . وقال
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء : الطوفان الموت قال
الأخفش : واحدته طوفانة . وقيل : هو مصدر كالرجحان والنقصان ; فلا يطلب له واحد . قال
النحاس : الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل ; أي ما يطيف بهم فيهلكهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ولم يصب
بني إسرائيل قطرة من ماء ، بل دخل بيوت
القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ، ودام عليهم سبعة أيام . وقيل : أربعين يوما . فقالوا : ادع لنا ربك يكشف عنا فنؤمن بك ; فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان فلم يؤمنوا . فأنبت الله لهم في تلك السنة ما لم ينبته قبل ذلك من الكلأ والزرع . فقالوا : كان ذلك الماء نعمة ; فبعث الله عليهم
[ ص: 241 ] الجراد وهو الحيوان المعروف ، جمع جرادة في المذكر والمؤنث . فإن أردت الفصل نعت فقلت رأيت جرادة ذكرا - فأكل زروعهم وثمارهم حتى إنها كانت تأكل السقوف والأبواب حتى تنهدم ديارهم . ولم يدخل دور
بني إسرائيل منها شيء .
الثالثة : واختلف العلماء في
قتل الجراد إذا حل بأرض فأفسد ; فقيل : لا يقتل . وقال أهل الفقه كلهم : يقتل . احتج الأولون بأنه خلق عظيم من خلق الله يأكل من رزق الله ولا يجري عليه القلم . وبما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=836109لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم . واحتج الجمهور بأن في تركها فساد الأموال ، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المسلم إذا أراد أخذ ماله ; فالجراد إذا أرادت فساد الأموال كانت أولى أن يجوز قتلها . ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه يجوز
قتل الحية والعقرب ؟ لأنهما يؤذيان الناس فكذلك الجراد . روى
ابن ماجه عن
جابر nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836110اللهم أهلك كباره واقتل صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء . قال رجل : يا رسول الله ، كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره ؟ قال : إن الجراد نثرة الحوت في البحر .
الرابعة : ثبت في صحيح
مسلم عن
عبد الله بن أبي أوفى قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836111غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات كنا نأكل الجراد معه . ولم يختلف العلماء في أكله على الجملة ، وأنه إذا أخذ حيا وقطعت رأسه أنه حلال باتفاق . وأن ذلك يتنزل منه منزلة الذكاة فيه . وإنما اختلفوا
هل يحتاج إلى سبب يموت به إذا صيد أم لا ; فعامتهم على أنه لا يحتاج إلى ذلك ، ويؤكل كيفما
[ ص: 242 ] مات . وحكمه عندهم حكم الحيتان ، وإليه ذهب
ابن نافع ومطرف ، وذهب
مالك إلى أنه لا بد له من سبب يموت به ; كقطع رءوسه أو أرجله أو أجنحته إذا مات من ذلك ، أو يصلق أو يطرح في النار ; لأنه عنده من حيوان البر فميتته محرمة . وكان
الليث يكره
أكل ميت الجراد ، إلا ما أخذ حيا ثم مات فإن أخذه ذكاة . وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836112أحل لنا ميتتان الحوت والجراد ، ودمان : الكبد والطحال . وقال
ابن ماجه : حدثنا
أحمد بن منيع حدثنا
سفيان بن عيينة عن
أبي سعيد سمع
أنس بن مالك يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836113كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد على الأطباق . ذكره
ابن المنذر أيضا .
الخامسة : روى
محمد بن المنكدر عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
إن الله تعالى خلق ألف أمة ستمائة منها في البحر وأربعمائة في البر وإن أول هلاك هذه الأمم الجراد فإذا هلكت الجراد تتابعت الأمم مثل نظام السلك إذا انقطع . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وقال : وإنما صار الجراد أول هذه الأمم هلاكا لأنه خلق من الطينة التي فضلت من طينة
آدم . وإنما تهلك الأمم لهلاك الآدميين لأنها مسخرة لهم .
رجعنا إلى
قصة القبط . فعاهدوا
موسى أن يؤمنوا لو كشف عنهم الجراد ، فدعا فكشف وكان قد بقي من زروعهم شيء فقالوا : يكفينا ما بقي ; ولم يؤمنوا فبعث الله عليهم القمل ، وهو صغار الدبى ; قاله
قتادة . والدبى : الجراد قبل أن يطير ، الواحدة دباة . وأرض مدبية إذا أكل الدبى نباتها . وقال
ابن عباس : القمل السوس الذي في الحنطة . وقال
ابن زيد : البراغيث . وقال
الحسن : دواب سود صغار . وقال
أبو عبيدة : الحمنان ، وهو ضرب من القراد ، واحدها حمنانة . فأكلت دوابهم وزروعهم ، ولزمت جلودهم كأنها الجدري عليهم ، ومنعهم النوم والقرار . وقال
حبيب بن أبي ثابت : القمل الجعلان . والقمل عند أهل اللغة ضرب من القردان . قال
أبو الحسن الأعرابي العدوي : القمل دواب صغار من جنس القردان ; إلا أنها أصغر منها ،
[ ص: 243 ] واحدتها قملة . قال
النحاس : وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير ; لأنه يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم ، وهي أنها كلها تجتمع في أنها تؤذيهم . وذكر بعض المفسرين أنه كان "
بعين شمس " كثيب من رمل فضربه
موسى بعصاه فصار قملا . وواحد القمل قملة . وقيل : القمل القمل ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني . وفي قراءة
الحسن ( والقمل ) بفتح القاف وإسكان الميم فتضرعوا فلما كشف عنهم لم يؤمنوا ; فأرسل الله عليهم الضفادع ، جمع ضفدع وهي المعروفة التي تكون في الماء ، وفيه مسألة واحدة هي أن النهي ورد عن قتلها ; أخرجه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه بإسناد صحيح . أخرجه
أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل عن
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن
محمد بن يحيى النيسابوري الذهلي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836115نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد . وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
عبد الرحمن بن عثمان nindex.php?page=hadith&LINKID=836116أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله . صححه
أبو محمد عبد الحق . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : الصرد أول طير صام . ولما خرج
إبراهيم عليه السلام من
الشأم إلى الحرم في بناء البيت كانت السكينة معه والصرد ; فكان الصرد دليله إلى الموضع ، والسكينة مقداره . فلما صار إلى البقعة وقعت السكينة على موضع البيت ونادت : ابن يا
إبراهيم على مقدار ظلي ; فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الصرد ; لأنه كان دليل
إبراهيم على البيت ، وعن الضفدع لأنها كانت تصب الماء على نار
إبراهيم . ولما تسلطت على
فرعون جاءت فأخذت الأمكنة كلها ، فلما صارت إلى التنور وثبت فيها وهي نار تسعر طاعة لله . فجعل الله نقيقها تسبيحا . يقال : إنها أكثر الدواب تسبيحا . قال
عبد الله بن عمرو : لا تقتلوا الضفدع فإن نقيقه الذي تسمعون تسبيح . فروي أنها ملأت فرشهم وأوعيتهم وطعامهم وشرابهم ; فكان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، وإذا تكلم وثب الضفدع في فيه . فشكوا إلى
موسى وقالوا : نتوب ; فكشف الله عنهم ذلك فعادوا إلى كفرهم ; فأرسل الله عليهم الدم فسال النيل عليهم دما . وكان الإسرائيلي يغترف منه الماء ، والقبطي الدم . وكان الإسرائيلي يصب الماء في فم القبطي فيصير دما ،
[ ص: 244 ] والقبطي يصب الدم في فم الإسرائيلي فيصير ماء زلالا .
آيات مفصلات أي مبينات ظاهرات ; عن
مجاهد . قال
الزجاج :
آيات مفصلات نصب على الحال . ويروى أنه كان بين الآية والآية ثمانية أيام . وقيل : أربعون يوما . وقيل : شهر ; فلهذا قال مفصلات . فاستكبروا أي ترفعوا عن الإيمان بالله تعالى .