قوله تعالى
فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين [ ص: 344 ] قوله تعالى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم أي يوم
بدر . روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صدروا عن
بدر ذكر كل واحد منهم ما فعل : قتلت كذا ، فعلت كذا ; فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك . فنزلت الآية إعلاما بأن الله تعالى هو المميت والمقدر لجميع الأشياء ، وأن العبد إنما يشارك بتكسبه وقصده . وهذه الآية ترد على من يقول بأن أفعال العباد خلق لهم . فقيل : المعنى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم بسوقهم إليكم حتى أمكنكم منهم . وقيل : ولكن الله قتلهم بالملائكة الذين أمدكم بهم .
وما رميت إذ رميت مثله
ولكن الله رمى . واختلف العلماء في هذا الرمي على أربعة أقوال :
الأول : إن هذا الرمي إنما كان في حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
حنين رواه
ابن وهب عن
مالك . قال
مالك : ولم يبق في ذلك اليوم أحد إلا وقد أصابه ذلك . وكذلك روى عنه
ابن القاسم أيضا .
الثاني : أن هذا كان يوم
أحد حين رمى
أبي بن خلف بالحربة في عنقه ; فكر
أبي منهزما . فقال له المشركون : والله ما بك من بأس . فقال : والله لو بصق علي لقتلني . أليس قد قال : بل أنا أقتله . وكان أوعد
أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل
بمكة ; فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بل أنا أقتلك فمات عدو الله من ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرجعه إلى
مكة ، بموضع يقال له "
سرف " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة عن
ابن شهاب : لما كان يوم
أحد أقبل
أبي مقنعا في الحديد على فرسه يقول : لا نجوت إن نجا
محمد ; فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قتله . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة قال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : فاعترض له رجال من المؤمنين ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا طريقه ; فاستقبله
nindex.php?page=showalam&ids=104مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فقتل
nindex.php?page=showalam&ids=104مصعب بن عمير ، وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة
أبي بن خلف من فرجة بين سابغة البيضة والدرع ; فطعنه بحربته فوقع
أبي عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم . قال
سعيد : فكسر ضلعا من أضلاعه ; فقال : ففي ذلك نزل
وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى . وهذا ضعيف ; لأن الآية نزلت عقيب
بدر .
الثالث : أن المراد السهم الذي رمى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصن
خيبر ، فسار في الهواء
[ ص: 345 ] حتى أصاب
ابن أبي الحقيق وهو على فراشه . وهذا أيضا فاسد ،
وخيبر وفتحها أبعد من
أحد بكثير . والصحيح في صورة قتل
ابن أبي الحقيق غير هذا .
الرابع : أنها كانت يوم
بدر ; قال
ابن إسحاق . وهو أصح ; لأن السورة بدرية ، وذلك أن
جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم : خذ قبضة من التراب . فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم فما من المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة وقاله
ابن عباس وسيأتي . قال
ثعلب : المعنى وما رميت الفزع والرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء فانهزموا
ولكن الله رمى أي أعانك وأظفرك . والعرب تقول : رمى الله لك ، أي أعانك وأظفرك وصنع لك . حكى هذا
أبو عبيدة في كتاب المجاز . وقال
محمد بن يزيد : وما رميت بقوتك ، إذ رميت ، ولكنك بقوة الله رميت .
وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا البلاء هاهنا النعمة . واللام تتعلق بمحذوف ; أي وليبليي المؤمنين فعل ذلك .
موهن كيد الكافرين قراءة أهل الحرمين
وأبي عمرو . وقراءة
أهل الكوفة ( موهن كيد الكافرين ) . وفي التشديد معنى المبالغة . وروي عن
الحسن ( موهن كيد الكافرين ) بالإضافة والتخفيف . والمعنى : أن الله عز وجل يلقي في قلوبهم الرعب حتى يتشتتوا ويتفرق جمعهم فيضعفوا . والكيد : المكر . وقد تقدم .