قوله تعالى : فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون شرط وجوابه . ودخلت النون توكيدا لما دخلت ما ، هذا قول البصريين . وقال الكوفيون : تدخل النون الثقيلة والخفيفة مع " إما " في المجازاة للفرق بين المجازاة والتخيير . ومعنى
تثقفنهم تأسرهم وتجعلهم في ثقاف ، أو تلقاهم بحال ضعف ، تقدر عليهم فيها وتغلبهم . وهذا لازم من اللفظ ; لقوله :
في الحرب . وقال بعض الناس : تصادفنهم وتلقاهم . يقال : ثقفته أثقفه ثقفا ، أي وجدته . وفلان ثقف لقف أي سريع الوجود لما يحاوله ويطلبه . وثقف لقف . وامرأة ثقاف . والقول الأول أولى ; لارتباطه بالآية كما بينا . والمصادف قد يغلب فيمكن التشريد به ، وقد لا يغلب . والثقاف في اللغة : ما يشد به القناة ونحوها . ومنه قول
النابغة :
تدعو قعينا وقد عض الحديد بها عض الثقاف على صم الأنابيب
فشرد بهم من خلفهم قال
سعيد بن جبير : المعنى أنذر بهم من خلفهم . قال
أبو عبيد : هي لغة
قريش ، شرد بهم سمع بهم . وقال
الضحاك : نكل بهم .
الزجاج : افعل بهم
[ ص: 389 ] فعلا من القتل تفرق به من خلفهم . والتشريد في اللغة : التبديد والتفريق ، يقال : شردت بني فلان قلعتهم عن مواضعهم وطردتهم عنها حتى فارقوها . وكذلك الواحد ، تقول : تركته شريدا عن وطنه وأهله . قال الشاعر من
هذيل :
أطوف في الأباطح كل يوم مخافة أن يشرد بي حكيم
ومنه شرد البعير والدابة إذا فارق صاحبه . و من بمعنى الذي ، قاله
الكسائي . وروي عن
ابن مسعود ( فشرذ ) بالذال المعجمة ، وهما لغتان . وقال
قطرب : التشريذ " بالذال المعجمة " التنكيل . وبالدال المهملة التفريق ، حكاه
الثعلبي . وقال
المهدوي : الذال لا وجه لها ، إلا أن تكون بدلا من الدال المهملة لتقاربهما ، ولا يعرف في اللغة " فشرذ " . وقرئ ( من خلفهم ) بكسر الميم والفاء .
لعلهم يذكرون أي يتذكرون بوعدك إياهم . وقيل : هذا يرجع إلى من خلفهم ، لأن من قتل لا يتذكر أي شرد بهم من خلفهم من عمل بمثل عملهم .