قوله تعالى
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون فيه ست مسائل :
الأولى
قوله تعالى وأعدوا لهم أمر الله سبحانه المؤمنين
بإعداد القوة للأعداء بعد أن أكد تقدمة التقوى . فإن الله سبحانه لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم وبحفنة من تراب ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه النافذ . وكل ما تعده لصديقك من خير أو لعدوك من شر فهو داخل في عدتك . قال
ابن عباس : القوة هاهنا السلاح والقسي . وفي صحيح
مسلم عن
عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836256وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا [ ص: 393 ] إن القوة الرمي . وهذا نص رواه عن
عقبة أبو علي ثمامة بن شفي الهمداني ، وليس له في الصحيح غيره . وحديث آخر في الرمي عن
عقبة أيضا قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836257ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه . وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836258كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنه من الحق . ومعنى هذا والله أعلم : أن كل
ما يتلهى به الرجل مما لا يفيده في العاجل ولا في الآجل فائدة فهو باطل ، والإعراض عنه أولى . وهذه الأمور الثلاثة فإنه وإن كان يفعلها على أنه يتلهى بها وينشط ، فإنها حق لاتصالها بما قد يفيد ، فإن
الرمي بالقوس وتأديب الفرس جميعا من معاون القتال .
وملاعبة الأهل قد تؤدي إلى ما يكون عنه ولد يوحد الله ويعبده ، فلهذا كانت هذه الثلاثة من الحق . وفي سنن
أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن
عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836259إن الله يدخل ثلاثة نفر الجنة بسهم واحد : صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي ومنبله .
وفضل الرمي عظيم ومنفعته عظيمة للمسلمين ، ونكايته شديدة على الكافرين . قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836260يا بني إسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا .
وتعلم الفروسية واستعمال الأسلحة فرض كفاية . وقد يتعين . الثانية :
قوله تعالى ومن رباط الخيل وقرأ
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار وأبو حيوة [ ص: 394 ] ( ومن ربط الخيل ) بضم الراء والباء ، جمع رباط ، ككتاب وكتب قال
أبو حاتم عن
ابن زيد : الرباط من الخيل الخمس فما فوقها ، وجماعته ربط . وهي التي ترتبط ، يقال منه : ربط يربط ربطا . وارتبط يرتبط ارتباطا . ومربط الخيل ومرابطها وهي ارتباطها بإزاء العدو . قال الشاعر :
أمر الإله بربطها لعدوه في الحرب إن الله خير موفق
وقال
مكحول بن عبد الله :
تلوم على ربط الجياد وحبسها وأوصى بها الله النبي محمدا
ورباط الخيل فضل عظيم ومنزلة شريفة . وكان
لعروة البارقي سبعون فرسا معدة للجهاد . والمستحب منها الإناث ، قال
عكرمة وجماعة . وهو صحيح ، فإن الأنثى بطنها كنز وظهرها عز . وفرس
جبريل كان أنثى . وروى الأئمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836261الخيل ثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر الحديث . ولم يخص ذكرا من أنثى . وأجودها أعظمها أجرا وأكثرها نفعا . وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=836262أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
أبي وهب الجشمي - وكانت له صحبة - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836263تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن وارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأكفالها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار وعليكم بكل كميت أغر محجل أو أشقر أغر محجل أو أدهم أغر محجل . وروى
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836264خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم ثم الأقرح المحجل طلق اليمين فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية . ورواه
الدارمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة أيضا ، أن
[ ص: 395 ] رجلا قال : يا رسول الله ، إني أريد أن أشتري فرسا ، فأيها أشتري ؟ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836265اشتر أدهم أرثم محجلا طلق اليد اليمنى أو من الكميت على هذه الشية تغنم وتسلم .
nindex.php?page=hadith&LINKID=836266وكان صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل . والشكال : أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى ، أو في يده اليمنى ورجله اليسرى . خرجه
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه . ويذكر أن الفرس الذي قتل عليه
الحسين بن علي رضي الله عنهما كان أشكل .
الثالثة : فإن قيل : إن قوله
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة كان يكفي ، فلم خص الرمي والخيل بالذكر ؟ قيل له : إن الخيل لما كانت أصل الحروب وأوزارها التي عقد الخير في نواصيها ، وهي أقوى القوة وأشد العدة وحصون الفرسان ، وبها يجال في الميدان ، خصها بالذكر تشريفا ، وأقسم بغبارها تكريما . فقال :
والعاديات ضبحا الآية . ولما كانت السهام من أنجع ما يتعاطى في الحروب والنكاية في العدو وأقربها تناولا للأرواح ، خصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر لها والتنبيه عليها . ونظير هذا في التنزيل ،
وجبريل وميكال ومثله كثير .
الرابعة : وقد استدل بعض علمائنا بهذه الآية على جواز
وقف الخيل والسلاح ، واتخاذ الخزائن والخزان لها عدة للأعداء . وقد اختلف العلماء في جواز
وقف الحيوان كالخيل والإبل على قولين : المنع ، وبه قال
أبو حنيفة . والصحة ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه . وهو أصح ، لهذه الآية ، ولحديث
ابن عمر في الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله وقوله عليه السلام في حق
خالد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836267وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا فإنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في [ ص: 396 ] سبيل الله الحديث . وما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=836268أن امرأة جعلت بعيرا في سبيل الله ، فأراد زوجها الحج ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ادفعيه إليه ليحج عليه فإن الحج من سبيل الله . ولأنه مال ينتفع به في وجه قربة ، فجاز أن يوقف كالرباع . وقد ذكر
السهيلي في هذه الآية تسمية خيل النبي صلى الله عليه وسلم ، وآلة حربه . من أرادها وجدها في كتاب الأعلام .
الخامسة قوله تعالى
ترهبون به عدو الله وعدوكم يعني تخيفون به عدو الله وعدوكم من
اليهود وقريش وكفار العرب .
وآخرين من دونهم يعني
فارس والروم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . وقيل : الجن . وهو اختيار
الطبري . وقيل : المراد بذلك كل من لا تعرف عداوته . قال
السهيلي : قيل هم
قريظة . وقيل : هم من الجن . وقيل غير ذلك . ولا ينبغي أن يقال فيهم شيء ، لأن الله سبحانه قال :
وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ، فكيف يدعي أحد علما بهم ، إلا أن يصح حديث جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قوله في هذه الآية : " هم الجن " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن الشيطان لا يخبل أحدا في دار فيها فرس عتيق وإنما سمي عتيقا لأنه قد تخلص من الهجانة . وهذا الحديث أسنده الحارث
بن أبي أسامة عن
ابن المليكي عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروي :
أن الجن لا تقرب دارا فيها فرس ، وأنها تنفر من صهيل الخيل .
السادسة : قوله تعالى
وما تنفقوا من شيء أي تتصدقوا . وقيل : تنفقوه على أنفسكم أو خيلكم .
في سبيل الله يوف إليكم في الآخرة ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة .
وأنتم لا تظلمون