قوله تعالى قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين فيه أربع مسائل الأولى : قال
ابن عباس :
نزلت في الجد بن قيس إذ قال ائذن لي في القعود وهذا مالي أعينك به . ولفظ ( أنفقوا ) أمر ، ومعناه الشرط والجزاء . وهكذا تستعمل العرب في مثل هذا تأتي ب " أو " كما قال الشاعر :
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت
والمعنى إن أسأت أو أحسنت فنحن على ما تعرفين .
ومعنى الآية : إن أنفقتم طائعين أو مكرهين فلن يقبل منكم . ثم بين جل وعز لم لا يقبل منهم فقال :
وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله فكان في هذا أدل دليل ، وهي :
الثانية : على أن أفعال الكافر إذا كانت برا كصلة القرابة وجبر الكسير وإغاثة الملهوف لا
[ ص: 90 ] يثاب عليها ولا ينتفع بها في الآخرة ، بيد أنه يطعم بها في الدنيا . دليله ما رواه
مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=836384عن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله ، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه ؟ قال : لا ينفعه ، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين . وروي عن
أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836385إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها . وهذا نص . ثم قيل : هل بحكم هذا الوعد الصادق لا بد أن
يطعم الكافر ويعطى بحسناته في الدنيا أو ذلك مقيد بمشيئة الله المذكورة في قوله :
عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد وهذا هو الصحيح من القولين ، والله أعلم . وتسمية ما يصدر عن الكافر حسنة إنما هو بحسب ظن الكافر ، وإلا فلا يصح منه قربة ، لعدم شرطها المصحح لها وهو الإيمان . أو سميت حسنة لأنها تشبه صورة حسنة المؤمن ظاهرا . قولان أيضا .
الثالثة : فإن قيل : فقد روى
مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=836386عن حكيم بن حزام أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي رسول الله ، أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم أفيها أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسلمت على ما أسلفت من خير قلنا قوله : أسلمت على ما أسلفت من خير مخالف ظاهره للأصول ؛ لأن الكافر لا يصح منه التقرب لله تعالى فيكون مثابا على طاعته ؛ لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفا بالمتقرب إليه ، فإذا عدم الشرط انتفى صحة المشروط . فكان المعنى في الحديث : إنك اكتسبت طباعا جميلة في الجاهلية أكسبتك عادة جميلة في الإسلام . وذلك أن حكيما رضي الله عنه عاش مائة وعشرين سنة ، ستين في الإسلام وستين في الجاهلية ، فأعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير ؟ وكذلك فعل في الإسلام . وهذا واضح . وقد قيل : لا يبعد في كرم الله أن يثيبه على فعله ذلك بالإسلام ، كما يسقط عنه ما ارتكبه في حال كفره من الآثام . وإنما لا يثاب من لم يسلم ولا تاب ، ومات
[ ص: 91 ] كافرا . وهذا ظاهر الحديث . وهو الصحيح إن شاء الله . وليس عدم شرط الإيمان في عدم ثواب ما يفعله من الخير ثم أسلم ومات مسلما بشرط عقلي لا يتبدل ، والله أكرم من أن يضيع عمله إذا حسن إسلامه . وقد تأول
الحربي الحديث على هذا المعنى فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836387أسلمت على ما أسلفت ، أي ما تقدم لك من خير عملته فذلك لك . كما تقول : أسلمت على ألف درهم ، أي على أن أحرزها لنفسه . والله أعلم .
الرابعة : فإن قيل : فقد روى
مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=836388عن العباس قال قلت يا رسول الله : إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ، فهل نفعه ذلك ؟ قال : نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح . قيل له : لا يبعد أن
يخفف عن الكافر بعض العذاب بما عمل من الخير ، لكن مع انضمام شفاعة ، كما جاء في
أبي طالب . فأما غيره فقد أخبر التنزيل بقوله :
فما تنفعهم شفاعة الشافعين . وقال مخبرا عن الكافرين :
فما لنا من شافعين . ولا صديق حميم وقد روى
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري nindex.php?page=hadith&LINKID=836389أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال : لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه . من حديث
العباس رضي الله عنه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836390ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار .
قوله تعالى
إنكم كنتم قوما فاسقين أي كافرين .