قوله تعالى :
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم فيه سبع مسائل :
الأولى : لما ذكر جل وعز أصناف الأعراب ذكر
المهاجرين والأنصار ، وبين أن منهم السابقين إلى الهجرة وأن منهم التابعين ، وأثنى عليهم . وقد اختلف في عدد طبقاتهم وأصنافهم . ونحن نذكر من ذلك طرفا نبين الغرض فيه إن شاء الله تعالى . وروى
عمر بن الخطاب أنه قرأ
والأنصار رفعا عطفا على السابقين . قال
الأخفش : الخفض في
الأنصار الوجه ; لأن السابقين منهما .
والأنصار اسم إسلامي . قيل
nindex.php?page=showalam&ids=9لأنس بن مالك : أرأيت قول الناس لكم :
الأنصار ، اسم سماكم الله به أم كنتم تدعون به في الجاهلية ؟ قال : بل اسم سمانا الله به في القرآن ; ذكره
أبو عمر في الاستذكار .
الثانية : نص القرآن على
تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم الذين صلوا إلى القبلتين ; في قول
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب وطائفة . وفي قول أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي هم الذين شهدوا بيعة الرضوان ، وهي بيعة
الحديبية ، وقاله
الشعبي . وعن
محمد بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=16572وعطاء بن يسار : هم أهل
بدر . واتفقوا على
أن من هاجر قبل تحويل القبلة فهو من المهاجرين الأولين من غير خلاف بينهم . أما أفضلهم ، وهي :
الثالثة : فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16392أبو منصور البغدادي التميمي : أصحابنا مجمعون على أن
أفضلهم الخلفاء الأربعة ، ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة ، ثم البدريون ثم أصحاب
أحد ثم أهل بيعة الرضوان
بالحديبية .
[ ص: 159 ] الرابعة : وأما أولهم إسلاما فروى
مجالد عن
الشعبي قال : سألت
ابن عباس من أول الناس إسلاما ؟ قال
أبو بكر ، أوما سمعت قول
حسان :
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعدلها
بعد النبي وأوفاها بما حملا الثاني التالي المحمود مشهده
وأول الناس منهم صدق الرسلا
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج الجوزي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17411يوسف بن يعقوب بن الماجشون أنه قال : أدركت أبي وشيخنا
محمد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=16214وصالح بن كيسان nindex.php?page=showalam&ids=15975وسعد بن إبراهيم وعثمان بن محمد الأخنسي وهم لا يشكون أن أول القوم إسلاما
أبو بكر ; وهو قول
ابن عباس وحسان nindex.php?page=showalam&ids=64وأسماء بنت أبي بكر ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي . وقيل : أول من أسلم
علي ; روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم وأبي ذر nindex.php?page=showalam&ids=53والمقداد وغيرهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أبو عبد الله : لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن
عليا أولهم إسلاما . وقيل : أول من أسلم
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة . وذكر
معمر نحو ذلك عن
الزهري . وهو قول
سليمان بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير وعمران بن أبي أنس . وقيل : أول من أسلم
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة أم المؤمنين ; روي ذلك من وجوه عن
الزهري ، وهو قول
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=12563ومحمد بن إسحاق بن يسار وجماعة ، وروي أيضا عن
ابن عباس . وادعى
الثعلبي المفسر اتفاق العلماء على أن أول من أسلم
خديجة ، وأن اختلافهم إنما هو فيمن أسلم بعدها . وكان
إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي يجمع بين هذه الأخبار ، فكان يقول :
أول من أسلم من الرجال أبو بكر ، ومن النساء خديجة ، ومن الصبيان
علي ، ومن الموالي
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة ، ومن العبيد
بلال . والله أعلم . وذكر
محمد بن سعد قال : أخبرني
مصعب بن ثابت قال حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=11823أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل قال : كان إسلام
الزبير بعد
أبي بكر وكان رابعا أو خامسا . قال
الليث بن سعد وحدثني
أبو الأسود قال : أسلم
الزبير وهو ابن ثمان سنين . وروي أن
عليا أسلم ابن سبع سنين . وقيل : ابن عشر .
الخامسة : والمعروف عن طريقة أهل الحديث أن
كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من أصحابه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين ، وغزا معه غزوة أو غزوتين . وهذا القول إن صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب يوجب ألا يعد من الصحابة
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله البجلي أو من شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ممن لا نعرف خلافا في عده من الصحابة .
[ ص: 160 ] السادسة : لا خلاف أن
أول السابقين من المهاجرين أبو بكر الصديق . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : السبق يكون بثلاثة أشياء : الصفة وهو الإيمان ، والزمان ، والمكان . وأفضل هذه الوجوه سبق الصفات ; والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836482نحن الآخرون الأولون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فاليهود غدا والنصارى بعد غد . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من سبقنا من الأمم بالزمان سبقناهم بالإيمان والامتثال لأمر الله تعالى والانقياد إليه ، والاستسلام لأمره والرضا بتكليفه والاحتمال لوظائفه ، لا نعترض عليه ولا نختار معه ، ولا نبدل بالرأي شريعته كما فعل
أهل الكتاب ; وذلك بتوفيق الله لما قضاه ، وبتيسيره لما يرضاه ; وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
السابعة : قال
ابن خويزمنداد : تضمنت هذه الآية تفضيل السابقين إلى كل منقبة من مناقب الشريعة ، في علم أو دين أو شجاعة أو غير ذلك ، من العطاء في المال والرتبة في الإكرام . وفي هذه المسألة خلاف بين
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . واختلف العلماء في تفضيل السابقين بالعطاء على غيرهم ; فروي عن
أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان لا يفضل بين الناس في العطاء بعضهم على بعض بحسب السابقة . وكان
عمر يقول له : أتجعل ذا السابقة كمن لا سابقة له ؟ فقال
أبو بكر : إنما عملوا لله وأجرهم عليه . وكان
عمر يفضل في خلافته ; ثم قال عند وفاته : لئن عشت إلى غد لألحقن أسفل الناس بأعلاهم ; فمات من ليلته . والخلافة إلى يومنا هذا على هذا الخلاف .
قوله تعالى
والذين اتبعوهم بإحسان فيه مسألتان : الأولى : قرأ
عمر "
والأنصار " رفعا . ( الذين ) بإسقاط الواو نعتا
للأنصار ; فراجعه
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، فسأل
عمر أبي بن كعب فصدق
زيدا ; فرجع إليه
عمر وقال : ما كنا نرى إلا أنا رفعنا رفعة لا ينالها معنا أحد . فقال
أبي : إني أجد مصداق ذلك في كتاب الله في أول سورة الجمعة :
وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وفي سورة الحشر :
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان . وفي سورة الأنفال بقوله :
والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم . فثبتت القراءة بالواو . وبين تعالى
[ ص: 161 ] بقوله : ( بإحسان ) ما يتبعون فيه من أفعالهم وأقوالهم ، لا فيما صدر عنهم من الهفوات والزلات ; إذ لم يكونوا معصومين رضي الله عنهم .
الثانية : واختلف العلماء في التابعين ومراتبهم ; فقال
الخطيب الحافظ :
التابعي من صحب الصحابي ; ويقال للواحد منهم : تابع وتابعي . وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أبي عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفي فيه أن يسمع من الصحابي أو يلقاه وإن لم توجد الصحبة العرفية . وقد قيل : إن اسم التابعين ينطلق على من أسلم بعد
الحديبية ;
nindex.php?page=showalam&ids=22كخالد بن الوليد nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص ومن داناهم من مسلمة الفتح ; لما ثبت
nindex.php?page=hadith&LINKID=836483أن عبد الرحمن بن عوف شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد : دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه . ومن العجب عد
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أبو عبد الله النعمان وسويدا ابني مقرن المزني في التابعين عندما ذكر الإخوة من التابعين ، وهما صحابيان معروفان مذكوران في الصحابة ، وقد شهدا
الخندق كما تقدم . والله أعلم . وأكبر التابعين الفقهاء السبعة من
أهل المدينة ، وهم
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد ;
nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=15786وخارجة بن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبو سلمة بن عبد الرحمن ،
وعبد الله بن عتبة بن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار . وقد نظمهم بعض الأجلة في بيت واحد فقال :
فخذهم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجه
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : أفضل التابعين
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ; فقيل له :
فعلقمة والأسود . فقال :
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب وعلقمة والأسود . وعنه أيضا أنه قال : أفضل التابعين
قيس وأبو عثمان وعلقمة ومسروق ; هؤلاء كانوا فاضلين ومن علية التابعين . وقال أيضا : كان
عطاء مفتي
مكة والحسن مفتي
البصرة فهذان أثر الناس عنهم ; وأبهم . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11939أبي بكر بن أبي داود قال : سيدتا التابعين من النساء
nindex.php?page=showalam&ids=15732حفصة بنت سيرين nindex.php?page=showalam&ids=16693وعمرة بنت عبد الرحمن ، وثالثتهما - وليست كهما -
nindex.php?page=showalam&ids=12328أم الدرداء . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أبي عبد الله قال : طبقة تعد في التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة ; منهم
إبراهيم بن سويد النخعي وليس
nindex.php?page=showalam&ids=12354بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه .
وبكير بن أبي السميط ،
nindex.php?page=showalam&ids=15562وبكير بن عبد الله الأشج . وذكر غيرهم قال : وطبقة عدادهم
[ ص: 162 ] عند الناس في أتباع التابعين . وقد لقوا الصحابة منهم
أبو الزناد عبد الله بن ذكوان ، لقي
عبد الله بن عمر وأنسا .
nindex.php?page=showalam&ids=17245وهشام بن عروة ، وقد أدخل على
عبد الله بن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=17177وموسى بن عقبة ، وقد أدرك
أنس بن مالك .
nindex.php?page=showalam&ids=11503وأم خالد بنت خالد بن سعيد . وفي التابعين طبقة تسمى بالمخضرمين ، وهم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا ولا صحبة لهم . واحدهم مخضرم بفتح الراء كأنه خضرم ، أي قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها . وذكرهم
مسلم فبلغ بهم عشرين نفسا ، منهم
أبو عمرو الشيباني ،
nindex.php?page=showalam&ids=16072وسويد بن غفلة الكندي ،
وعمرو بن ميمون الأودي وأبو عثمان النهدي وعبد خير بن يزيد الخيراني بفتح الخاء ، بطن من همدان ،
وعبد الرحمن بن مل .
وأبو الحلال العتكي ربيعة بن زرارة . وممن لم يذكره
مسلم منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12150أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب ،
nindex.php?page=showalam&ids=13669والأحنف بن قيس . فهذه نبذة من معرفة الصحابة والتابعين الذين نطق بفضلهم القرآن الكريم ، رضوان الله عليهم أجمعين . وكفانا نحن قوله جل وعز :
كنتم خير أمة أخرجت للناس على ما تقدم ، وقوله عز وجل :
وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836484وددت أنا لو رأينا إخواننا . . . . الحديث . فجعلنا إخوانه ; إن اتقينا الله واقتفينا آثاره ، حشرنا الله في زمرته ولا حاد بنا عن طريقته وملته بحق
محمد وآله .