قوله تعالى
فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون قوله تعالى
فاليوم ننجيك ببدنك أي نلقيك على نجوة من الأرض . وذلك أن
بني [ ص: 286 ] إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون غرق ، وقالوا : هو أعظم شأنا من ذلك ، فألقاه الله على نجوة من الأرض ، أي مكان مرتفع من البحر حتى شاهدوه قال
أوس بن حجر يصف مطرا :
فمن بعقوته كمن بنجوته والمستكين كمن يمشي بقرواح
وقرأ
اليزيدي وابن السميقع " ننحيك " بالحاء من التنحية ، وحكاها
علقمة عن
ابن مسعود ; أي تكون على ناحية من البحر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : فرمي به على ساحل البحر حتى رآه
بنو إسرائيل ، وكان قصيرا أحمر كأنه ثور . وحكى
علقمة عن
عبد الله أنه قرأ " بندائك " من النداء . قال
أبو بكر الأنباري : وليس بمخالف لهجاء مصحفنا ، إذ سبيله أن يكتب بياء وكاف بعد الدال ; لأن الألف تسقط من ندائك في ترتيب خط المصحف كما سقط من الظلمات والسماوات ، فإذا وقع بها الحذف استوى هجاء بدنك وندائك ، على أن هذه القراءة مرغوب عنها لشذوذها وخلافها ما عليه عامة المسلمين ;
والقراءة سنة يأخذها آخر عن أول ، وفي معناها نقص عن تأويل قراءتنا ، إذ ليس فيها للدرع ذكر الذي تتابعت الآثار بأن
بني إسرائيل اختلفوا في غرق فرعون ، وسألوا الله تعالى ، أن يريهم إياه غريقا فألقوه على نجوة من الأرض ببدنه وهو درعه التي يلبسها في الحروب . قال
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي : وكانت درعه من لؤلؤ منظوم . وقيل : من الذهب وكان يعرف بها . وقيل : من حديد ; قاله
أبو صخر : والبدن الدرع القصيرة . وأنشد
أبو عبيدة للأعشى :
وبيضاء كالنهي موضونة لها قونس فوق جيب البدن
وأنشد أيضا
لعمرو بن معديكرب :
ومضى نساؤهم بكل مفاضة جدلاء سابغة وبالأبدان
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك :
ترى الأبدان فيها مسبغات على الأبطال واليلب الحصينا
أراد بالأبدان الدروع واليلب الدروع اليمانية ، كانت تتخذ من الجلود يخرز بعضها إلى بعض ; وهو اسم جنس ، الواحد يلبة . قال
عمرو بن كلثوم :
علينا البيض واليلب اليماني وأسياف يقمن وينحنينا
وقيل ببدنك بجسد لا روح فيه ; قاله
مجاهد . قال
الأخفش : وأما قول من قال بدرعك فليس بشيء . قال
أبو بكر : لأنهم لما ضرعوا إلى الله يسألونه مشاهدة فرعون غريقا أبرزه لهم فرأوا جسدا لا روح فيه ، فلما رأته
بنو إسرائيل قالوا نعم! يا
موسى هذا فرعون وقد
[ ص: 287 ] غرق ; فخرج الشك من قلوبهم وابتلع البحر فرعون كما كان . فعلى هذا ( ننجيك ببدنك ) احتمل معنيين : أحدهما - نلقيك على نجوة من الأرض . والثاني - نظهر جسدك الذي لا روح فيه . والقراءة الشاذة " بندائك " يرجع معناها إلى معنى قراءة الجماعة ؛ لأن النداء يفسر تفسيرين ، أحدهما - نلقيك بصياحك بكلمة التوبة ، وقولك بعد أن أغلق بابها ومضى وقت قبولها :
آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين على موضع رفيع . والآخر - فاليوم نعزلك عن غامض البحر بندائك لما قلت ( أنا ربكم الأعلى ) ; فكانت تنجيته بالبدن معاقبة من رب العالمين له على ما فرط من كفره الذي منه نداؤه الذي افترى فيه وبهت ، وادعى القدرة والأمر الذي يعلم أنه كاذب فيه وعاجز عنه وغير مستحق له . قال
أبو بكر الأنباري : فقراءتنا تتضمن ما في القراءة الشاذة من المعاني وتزيد عليها .
قوله تعالى
لتكون لمن خلفك آية أي
لبني إسرائيل ولمن بقي من
قوم فرعون ممن لم يدركه الغرق ولم ينته إليه هذا الخبر .
وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون أي معرضون عن تأمل آياتنا والتفكر فيها . وقرئ " لمن خلفك " بفتح اللام ; أي لمن بقي بعدك يخلفك في أرضك . وقرأ
علي بن أبي طالب " لمن خلقك " بالقاف ; أي تكون آية لخالقك .