قوله تعالى :
ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم قوله تعالى : ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب اختلف فيمن قاله ، فقيل : هو من قول امرأة العزيز ، وهو متصل بقولها :
الآن حصحص الحق أي أقررت بالصدق ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي بالكذب عليه ، ولم أذكره بسوء وهو غائب ، بل صدقت وحدت عن الخيانة ; ثم قالت :
وما أبرئ نفسي بل أنا راودته ; وعلى هذا هي كانت مقرة بالصانع ، ولهذا قالت :
إن ربي غفور رحيم . وقيل : هو من قول
يوسف ; أي قال
يوسف : ذلك الأمر الذي
[ ص: 183 ] فعلته ، من رد الرسول ليعلم العزيز
أني لم أخنه بالغيب قاله
الحسن وقتادة وغيرهما . ومعنى بالغيب وهو غائب . وإنما قال
يوسف ذلك بحضرة الملك ، وقال : ليعلم على الغائب توقيرا للملك . وقيل : قاله إذ عاد إليه الرسول وهو في السجن بعد ; قال
ابن عباس : جاء الرسول إلى
يوسف - عليه السلام - بالخبر
وجبريل معه يحدثه ; فقال
يوسف :
ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين أي لم أخن سيدي بالغيب ; فقال له
جبريل - عليه السلام - : يا
يوسف ! ولا حين حللت الإزار ، وجلست مجلس الرجل من المرأة ؟ ! فقال
يوسف :
وما أبرئ نفسي الآية . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : إنما قالت له امرأة العزيز ولا حين حللت سراويلك يا
يوسف ؟ ! فقال
يوسف :
وما أبرئ نفسي . وقيل : ذلك ليعلم من قول العزيز ; أي ذلك ليعلم
يوسف أني لم أخنه بالغيب ، وأني لم أغفل عن مجازاته على أمانته .
وأن الله لا يهدي كيد الخائنين معناه : أن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم .
قوله تعالى :
وما أبرئ نفسي قيل : هو من قول المرأة . وقال
القشيري : فالظاهر أن قوله :
ذلك ليعلم وقوله :
وما أبرئ نفسي من قول
يوسف . قلت : إذا احتمل أن يكون من قول المرأة فالقول به أولى حتى نبرئ
يوسف من حل الإزار والسراويل ; وإذا قدرناه من قول
يوسف فيكون مما خطر بقلبه ، على ما قدمناه من القول المختار في قوله : وهم بها . قال
أبو بكر الأنباري : من الناس من يقول :
ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب إلى قوله :
إن ربي غفور رحيم من كلام امرأة العزيز ; لأنه متصل بقولها :
أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين وهذا مذهب الذين ينفون الهم عن
يوسف - عليه السلام - ; فمن بنى على قولهم : " قال " من قوله :
قالت امرأة العزيز إلى قوله :
إن ربي غفور رحيم كلام متصل بعضه ببعض ، ولا يكون فيه وقف تام على حقيقة ; ولسنا نختار هذا القول ولا نذهب إليه . وقال
الحسن : لما قال
يوسف ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب كره نبي الله أن يكون قد زكى نفسه فقال :
وما أبرئ نفسي لأن
تزكية النفس مذمومة ; قال الله تعالى :
فلا تزكوا أنفسكم وقد بيناه في " النساء " . وقيل : هو من قول العزيز ; أي وما أبرئ نفسي من سوء الظن
بيوسف .
إن النفس لأمارة بالسوء أي مشتهية له .
إلا ما رحم ربي في موضع نصب بالاستثناء ; و " ما " بمعنى من ; أي إلا من رحم ربي فعصمه ; و " ما " بمعنى من كثير ; قال الله تعالى :
فانكحوا ما طاب لكم من النساء وهو استثناء منقطع ، لأنه استثناء المرحوم بالعصمة من النفس الأمارة بالسوء ; وفي الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
ما [ ص: 184 ] تقولون في صاحب لكم إن أنتم أكرمتموه وأطعمتموه وكسوتموه أفضى بكم إلى شر غاية وإن أهنتموه وأعريتموه وأجعتموه أفضى بكم إلى خير غاية قالوا : يا رسول الله ! هذا شر صاحب في الأرض . قال : فوالذي نفسي بيده إنها لنفوسكم التي بين جنوبكم .