قوله تعالى :
قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم فيه سبع مسائل :
الأولى :
قوله تعالى : ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم . البعير هنا الجمل في قول أكثر المفسرين . وقيل : إنه الحمار ، وهي لغة لبعض العرب ; قاله
مجاهد واختاره . وقال
[ ص: 202 ] مجاهد : الزعيم هو المؤذن الذي قال :
أيتها العير . والزعيم والكفيل والحميل والضمين والقبيل سواء والزعيم الرئيس . قال :
وإني زعيم إن رجعت مملكا بسير ترى منه الفرانق أزورا
وقالت
ليلى الأخيلية ترثي أخاها :
ومخرق عنه القميص تخاله يوم اللقاء من الحياء سقيما
حتى إذا رفع اللواء رأيته تحت اللواء على الخميس زعيما
الثانية : إن قيل : كيف ضمن حمل البعير وهو مجهول ،
وضمان المجهول لا يصح ؟ قيل له : حمل البعير كان معينا معلوما عندهم كالوسق ; فصح ضمانه ، غير أنه كان بدل مال للسارق ، ولا يحل للسارق ذلك ، فلعله كان يصح في شرعهم أو كان هذا جعالة ، وبذل مال لمن كان يفتش ويطلب .
الثالثة : قال بعض العلماء : في هذه الآية دليلان : أحدهما :
جواز الجعل وقد أجيز للضرورة ; فإنه يجوز فيه من الجهالة ما لا يجوز . في غيره ; فإذا
قال الرجل : من فعل كذا فله كذا صح . وشأن الجعل أن يكون أحد الطرفين معلوما والآخر مجهولا للضرورة إليه ; بخلاف الإجارة ; فإنه يتقدر فيها العوض والمعوض من الجهتين ; وهو من العقود الجائزة التي يجوز لأحدهما فسخه ; إلا أن المجعول له يجوز أن يفسخه قبل الشروع وبعده ، إذا رضي بإسقاط حقه ، وليس للجاعل أن يفسخه إذا شرع المجعول له في العمل .
ولا يشترط في عقد الجعل حضور المتعاقدين ، كسائر العقود ; لقوله :
ولمن جاء به حمل بعير وبهذا كله قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
الرابعة : متى
قال الإنسان ، من جاء بعبدي الآبق فله دينار لزمه ما جعله فيه إذا جاء به ; فلو جاء به من غير ضمان لزمه إذا جاء به على طلب الأجرة ; وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
من جاء بآبق فله أربعون درهما ولم يفصل بين من جاء به من عقد ضمان أو غير عقد . قال
ابن [ ص: 203 ] خوير منداد ولهذا قال أصحابنا : إن من فعل بالإنسان ما يجب عليه أن يفعله بنفسه من مصالحه لزمه ذلك ، وكان له أجر مثله إن كان ممن يفعل ذلك بالأجر .
قلت : وخالفنا في هذا كله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
الخامسة : الدليل الثاني : جواز الكفالة على الرجل ; لأن المؤذن الضامن هو غير
يوسف - عليه السلام - قال علماؤنا : إذا
قال الرجل تحملت أو تكفلت أو ضمنت أو وأنا حميل لك أو زعيم أو كفيل أو ضامن أو قبيل ، أو هو لك عندي أو علي أو إلي أو قبلي فذلك كله حمالة لازمة ، وقد اختلف الفقهاء
فيمن تكفل بالنفس أو بالوجه ، هل يلزمه ضمان المال أم لا ؟ فقال الكوفيون : من تكفل بنفس رجل لم يلزمه الحق الذي على المطلوب إن مات ; وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في المشهور عنه . وقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : إذا
تكفل بنفسه وعليه مال فإنه إن لم يأت به غرم المال ، ويرجع به إلى المطلوب ; فإن اشترط ضمان نفسه أو وجهه وقال : لا أضمن المال فلا شيء عليه من المال ; والحجة لمن أوجب غرم المال أن الكفيل قد علم أن المضمون وجهه لا يطلب بدم ، وإنما يطلب بمال ; فإذا ضمنه له ولم يأته به فكأنه فوته عليه ، وعزه منه ; فلذلك لزمه المال . واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي للكوفيين فقال : أما ضمان المال بموت المكفول به فلا معنى له ; لأنه إنما تكفل بالنفس ولم يتكفل بالمال ، فمحال أن يلزمه ما لم يتكفل به .
السادسة : واختلف العلماء
إذا تكفل رجل عن رجل بمال ; هل للطالب أن يأخذ من شاء منهما ؟ فقال
الثوري والكوفيون
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد وإسحاق : يأخذ من شاء حتى يستوفي حقه ; وهذا كان قول
مالك ثم رجع عنه فقال : لا يؤخذ الكفيل إلا أن يفلس الغريم أو يغيب ; لأن التبدية بالذي عليه الحق أولى ، إلا أن يكون معدما فإنه يؤخذ من الحميل ، لأنه معذور في أخذه في هذه الحالة ; وهذا قول حسن . والقياس أن للرجل مطالبة أي الرجلين شاء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى : إذا ضمن الرجل عن صاحبه مالا تحول على الكفيل وبرئ صاحب الأصل ، إلا أن يشترط المكفول له عليهما أن يأخذ أيهما شاء ; واحتج ببراءة الميت من الدين ، بضمان
nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة ، وبنحوه قال
أبو ثور .
[ ص: 204 ] السابعة :
الزعامة لا تكون إلا في الحقوق التي تجوز النيابة فيها ، مما يتعلق بالذمة من الأموال ، وكان ثابتا مستقرا ; فلا تصح
الحمالة بالكتابة لأنها ليست بدين ثابت مستقر ; لأن العبد إن عجز رق وانفسخت الكتابة ; وأما كل حق لا يقوم به أحد عن أحد كالحدود فلا كفالة فيه ، ويسجن المدعى عليه الحد ، حتى ينظر في أمره . وشذ
أبو يوسف ومحمد فأجازا
الكفالة في الحدود والقصاص ، وقالا : إذا قال المقذوف أو المدعي القصاص بينتي حاضرة كفله ثلاثة أيام ; واحتج لهم
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي بما رواه
حمزة بن عمرو عن
عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=97وجرير بن عبد الله والأشعث أنهم حكموا بالكفالة بالنفس بمحضر الصحابة .