[ ص: 213 ] قوله تعالى : ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين قوله تعالى :
ارجعوا إلى أبيكم قاله الذي قال :
فلن أبرح الأرض .
فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وقرأ
ابن عباس والضحاك وأبو رزين " إن ابنك سرق "
النحاس : وحدثني
محمد بن أحمد بن عمر قال حدثنا
ابن شاذان قال حدثنا
أحمد بن أبي سريج البغدادي قال : سمعت ،
الكسائي يقرأ : " يا أبانا إن ابنك سرق " بضم السين وتشديد الراء مكسورة ; على ما لم يسم فاعله ; أي نسب إلى السرقة ورمي بها ; مثل خونته وفسقته وفجرته إذا نسبته إلى هذه الخلال . وقال
الزجاج : " سرق " يحتمل معنيين : أحدهما : علم منه السرق ، والآخر : اتهم بالسرق . قال
الجوهري : والسرق والسرقة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق ، والمصدر يسرق سرقا بالفتح .
قوله تعالى : وما شهدنا إلا بما علمنا فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
وما شهدنا إلا بما علمنا يريدون ما شهدنا قط إلا بما علمنا ، وأما الآن فقد شهدنا بالظاهر وما نعلم الغيب ; كأنهم وقعت لهم تهمة من قول
بنيامين : دس هذا في رحلي من دس بضاعتكم في رحالكم ; قال معناه
ابن إسحاق . وقيل المعنى : ما شهدنا عند
يوسف بأن السارق يسترق إلا بما علمنا من دينك ; قاله
ابن زيد وما كنا للغيب حافظين أي لم نعلم وقت أخذناه منك أنه يسرق فلا نأخذه . وقال
مجاهد وقتادة : ما كنا نعلم أن ابنك يسترق ويصير أمرنا إلى هذا ، وإنما قلنا : نحفظ أخانا فيما نطيق . وقال
ابن عباس : يعنون أنه سرق ليلا وهم نيام ، والغيب هو الليل بلغة حمير ; وعنه : ما كنا نعلم ما يصنع في ليله ونهاره وذهابه وإيابه . وقيل : ما دام بمرأى منا لم يجر خلل ، فلما غاب عنا خفيت عنا حالاته . وقيل معناه : قد أخذت السرقة من رحله ، ونحن أخرجناها وننظر إليها ، ولا علم لنا بالغيب ، فلعلهم سرقوه ولم يسرق .
الثانية : تضمنت هذه الآية جواز الشهادة بأي وجه حصل العلم بها ; فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقلا وشرعا ، فلا تسمع إلا ممن علم ، ولا تقبل إلا منهم ، وهذا هو الأصل في
[ ص: 214 ] الشهادات ; ولهذا قال أصحابنا :
شهادة الأعمى جائزة ،
وشهادة المستمع جائزة ،
وشهادة الأخرس إذا فهمت إشارته جائزة ; وكذلك
الشهادة على الخط - إذا تيقن أنه خطه أو خط فلان - صحيحة فكل من حصل له العلم بشيء جاز أن يشهد به وإن لم يشهده المشهود عليه ; قال الله تعالى :
إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835301ألا أخبركم بخير الشهداء ، خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها وقد مضى في " البقرة " .
الثالثة : اختلف قول
مالك في
شهادة المرور ; وهو أن يقول : مررت بفلان فسمعته يقول كذا فإن استوعب القول شهد في أحد قوليه ، وفي القول الآخر لا يشهد حتى يشهداه . والصحيح أداء الشهادة عند الاستيعاب ; وبه قال جماعة العلماء ، وهو الحق ; لأنه قد حصل المطلوب وتعين عليه أداء العلم ; فكان خير الشهداء إذا أعلم المشهود له ، وشر الشهداء إذا كتمها والله أعلم .
الرابعة : إذا
ادعى رجل شهادة لا يحتملها عمره ردت ; لأنه ادعى باطلا فأكذبه العيان ظاهرا .