[ ص: 235 ] قوله تعالى : رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين قوله تعالى :
رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث قال
قتادة : لم يتمن الموت أحد ; نبي ولا غيره إلا
يوسف - عليه السلام - ; حين تكاملت عليه النعم وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء ربه - عز وجل - . وقيل : إن
يوسف لم يتمن الموت ، وإنما تمنى الوفاة على الإسلام ; أي إذا جاء أجلي توفني مسلما ; وهذا قول الجمهور . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله التستري : لا يتمنى الموت إلا ثلاث : رجل جاهل بما بعد الموت ، أو رجل يفر من أقدار الله تعالى عليه ، أو مشتاق محب للقاء الله - عز وجل - . وثبت في الصحيح عن
أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835315لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي رواه
مسلم . وفيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835316لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا . وإذا ثبت هذا فكيف يقال : إن
يوسف - عليه السلام - تمنى الموت والخروج من الدنيا وقطع العمل ؟ هذا بعيد ! إلا أن يقال : إن ذلك كان جائزا في شرعه ; أما أنه يجوز
تمني الموت والدعاء به عند ظهور الفتن وغلبتها ، وخوف ذهاب الدين ، على ما بيناه في كتاب " التذكرة " . و " من " من قوله : " من الملك " للتبعيض ، وكذلك قوله :
وعلمتني من تأويل الأحاديث لأن ملك
مصر ما كان كل الملك ، وعلم التعبير ما كان كل العلوم . وقيل : من للجنس كقوله :
فاجتنبوا الرجس من الأوثان وقيل : للتأكد . أي آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث
قوله تعالى :
فاطر السماوات والأرض نصب على النعت للنداء ، وهو " رب " ، وهو نداء مضاف ; والتقدير : يا رب ! ويجوز أن يكون نداء ثانيا . والفاطر الخالق ; فهو سبحانه فاطر
[ ص: 236 ] الموجودات ، أي خالقها ومبدئها ومنشئها ومخترعها على الإطلاق من غير شيء ، ولا مثال سبق ; وقد تقدم هذا المعنى في " البقرة " مستوفى ; عند قوله :
بديع السماوات والأرض وزدناه بيانا في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى .
أنت وليي أي ناصري ومتولي أموري في الدنيا والآخرة .
توفني مسلما وألحقني بالصالحين يريد آباءه الثلاثة ;
إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فتوفاه الله طاهرا طيبا - صلى الله عليه وسلم -
بمصر ، ودفن في
النيل في صندوق من رخام ; وذلك أنه لما مات تشاح الناس عليه ; كل يحب أن يدفن في محلتهم ، لما يرجون من بركته ; واجتمعوا على ذلك حتى هموا بالقتال ، فرأوا أن يدفنوه في
النيل من حيث مفرق الماء
بمصر ، فيمر عليه الماء ، ثم يتفرق في جميع
مصر ، فيكونوا فيه شرعا ففعلوا ; فلما خرج
موسى ببني إسرائيل أخرجه من
النيل : ونقل تابوته بعد أربعمائة سنة إلى
بيت المقدس ، فدفنوه مع آبائه لدعوته :
وألحقني بالصالحين وكان عمره مائة عام وسبعة أعوام . وعن
الحسن قال : ألقي
يوسف في
الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة ، ثم جمع له شمله فعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ; وكان له من الولد
إفراثيم ،
ومنشا ،
ورحمة ، زوجة
أيوب ; في قول
ابن لهيعة . قال
الزهري : وولد
لإفراثيم - بن يوسف -
نون بن إفراثيم ، وولد
لنون يوشع ; فهو
يوشع بن نون ، وهو فتى
موسى الذي كان معه صاحب أمره ، ونبأه الله في زمن
موسى - عليه السلام - ; فكان بعده نبيا ، وهو الذي افتتح
أريحا ، وقتل من كان بها من الجبابرة ، واستوقفت له الشمس حسب ما تقدم في " المائدة " . وولد
لمنشا بن يوسف موسى بن منشا ، قبل
موسى بن عمران . وأهل التوراة يزعمون أنه هو الذي طلب العالم ليتعلم منه حتى أدركه ، والعالم هو الذي خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وبنى الجدار ،
وموسى بن منشا معه حتى بلغه معه حيث بلغ ; وكان
ابن عباس ينكر ذلك ; والحق الذي قاله
ابن عباس ; وكذلك في القرآن . ثم كان بين
يوسف وموسى أمم وقرون ، وكان فيما بينهما
شعيب - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - .