[ ص: 258 ] قوله تعالى :
هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال قوله تعالى : هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال أي بالمطر . السحاب جمع ، والواحدة سحابة ، وسحب وسحائب في الجمع أيضا .
ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق قد مضى في " البقرة " القول في الرعد والبرق والصواعق فلا معنى للإعادة ; والمراد بالآية بيان كمال قدرته ; وأن تأخير العقوبة ليس عن عجز ; أي يريكم البرق في السماء خوفا للمسافر ; فإنه يخاف أذاه لما يناله من المطر والهول والصواعق ; قال الله تعالى :
أذى من مطر وطمعا للحاضر أن يكون عقبه مطر وخصب ; قال معناه
قتادة ومجاهد وغيرهما . وقال
الحسن : خوفا من صواعق البرق ، وطمعا في غيثه المزيل للقحط .
وينشئ السحاب الثقال قال
مجاهد : أي بالماء .
ويسبح الرعد بحمده من قال إن الرعد صوت السحاب فيجوز أن يسبح الرعد بدليل خلق الحياة فيه ; ودليل صحة هذا القول قوله :
والملائكة من خيفته فلو كان الرعد ملكا لدخل في جملة الملائكة . ومن قال إنه ملك قال : معنى . من خيفته من خيفة الله ; قاله
الطبري وغيره . قال
ابن عباس : إن الملائكة خائفون من الله ليس كخوف ابن آدم ; لا يعرف واحدهم من على يمينه ومن على يساره ، لا يشغلهم عن عبادة الله طعام ولا شراب ; وعنه قال : الرعد ملك يسوق السحاب ، وإن بخار الماء لفي نقرة إبهامه ، وإنه موكل بالسحاب يصرفه حيث يؤمر ، وإنه يسبح الله ; فإذا سبح الرعد لم يبق ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح ، فعندها ينزل القطر ، وعنه أيضا كان إذا سمع صوت الرعد قال : سبحان الذي سبحت له . وروى
مالك عن
عامر بن عبد الله عن أبيه أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال : سبحانه الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ، ثم يقول : إن هذا وعيد لأهل الأرض شديد . وقيل : إنه ملك جالس على كرسي بين السماء والأرض ، وعن يمينه سبعون ألف ملك وعن يساره مثل ذلك ;
[ ص: 259 ] فإذا أقبل على يمينه وسبح سبح الجميع من خوف الله ، وإذا أقبل على يساره وسبح سبح الجميع من خوف الله .
ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي عن
ابن عباس وعلي بن أبي طالب ومجاهد : نزلت في يهودي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أخبرني من أي شيء ربك ; أمن لؤلؤ أم من ياقوت ؟ فجاءت صاعقة فأحرقته . وقيل : نزلت في بعض كفار العرب ; قال
الحسن : ( كان رجل من طواغيت العرب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - نفرا يدعونه إلى الله ورسوله والإسلام فقال لهم : أخبروني عن رب محمد ما هو ، ومم هو ، أمن فضة أم من حديد أم نحاس ؟ فاستعظم القوم مقالته ; فقال : أجيب محمدا إلى رب لا يعرفه ! فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه مرارا وهو يقول مثل هذا ; فبينا النفر ينازعونه ويدعونه إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رءوسهم ، فرعدت وأبرقت ورمت بصاعقة ، فأحرقت الكافر وهم جلوس ; فرجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستقبلهم بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : احترق صاحبكم ، فقالوا : من أين علمتم ؟ قالوا : أوحى الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) . ذكره
الثعلبي عن
الحسن ;
والقشيري بمعناه عن
أنس ، وسيأتي . وقيل : نزلت الآية في
أربد بن ربيعة أخي
لبيد بن ربيعة ، وفي
عامر بن الطفيل ; قال
ابن عباس : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=839422أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة العامريان يريدان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد جالس في نفر من أصحابه ، فدخلا المسجد ، فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور ، وكان من أجمل الناس ; فقال رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : هذا يا رسول الله عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك ; فقال : دعه فإن يرد الله به خيرا يهده فأقبل حتى قام عليه فقال ; يا محمد ما لي إن أسلمت ؟ فقال : لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين . قال : أتجعل لي الأمر من بعدك ؟ قال : ليس ذاك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء . قال : أفتجعلني على الوبر وأنت على المدر ؟ قال : لا . قال : فما تجعل لي ؟ قال : ( أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها في سبيل الله ) . قال : أوليس لي أعنة الخيل اليوم ؟ قم معي أكلمك ، فقام معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عامر أومأ إلى أربد : إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف ، فجعل يخاصم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويراجعه ; فاخترط أربد من سيفه شبرا ثم حبسه الله ، فلم يقدر على سله ، ويبست يده على سيفه ; وأرسل الله عليه صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته ; وولى عامر هاربا وقال : يا محمد ! دعوت ربك على أربد حتى قتلته ; والله لأملأنها عليك خيلا جردا ، وفتيانا مردا ; فقال - عليه السلام - : يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة يعني الأوس والخزرج ; فنزل عامر بيت امرأة سلولية ; وأصبح وهو يقول : والله لئن أصحر لي محمد وصاحبه - يريد ملك الموت - لأنفذتهما برمحي ; فأرسل الله ملكا فلطمه [ ص: 260 ] بجناحه فأذراه في التراب ; وخرجت على ركبته غدة عظيمة في الوقت ; فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول : غدة كغدة البعير ، وموت في بيت سلولية ; ثم ركب على فرسه فمات على ظهره ) . ورثى
لبيد بن ربيعة أخاه
أربد فقال :
يا عين هلا بكيت أربد إذ قم نا وقام الخصوم في كبد أخشى على أربد الحتوف ولا
أرهب نوء السماك والأسد فجعني الرعد والصواعق بالفا
رس يوم الكريهة النجد
وفيه قال :
إن الرزية لا رزية مثلها فقدان كل أخ كضوء الكوكب
يا أربد الخير الكريم جدوده أفردتني أمشي بقرن أعضب
وأسلم
لبيد بعد ذلك - رضي الله عنه - . مسألة : روى
أبان عن
أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
لا تأخذ الصاعقة ذاكرا لله - عز وجل - . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة - رضي الله عنه - :
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع صوت الرعد يقول : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعقة فعلي ديته . وذكر
الخطيب من حديث
سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده قال : كنا مع
عمر في سفر فأصابنا رعد وبرد ، فقال لنا
كعب : من قال حين يسمع الرعد : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي مما يكون في ذلك الرعد ; ففعلنا فعوفينا ; ثم لقيت
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فإذا بردة قد أصابت أنفه فأثرت به ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذا ؟ قال بردة أصابت أنفي فأثرت ، فقلت : إن
كعبا حين سمع الرعد قال لنا : من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي مما يكون في ذلك الرعد ; فقلنا فعوفينا ; فقال
عمر : أفلا قلتم لنا حتى نقولها ؟ وقد تقدم هذا المعنى في " البقرة " .
[ ص: 261 ] قوله تعالى :
وهم يجادلون في الله يعني جدال اليهودي حين سأل عن الله تعالى : من أي شيء هو ؟ قاله
مجاهد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : جدال أربد فيما هم به من قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - . ويجوز أن يكون
وهم يجادلون في الله حالا ، ويجوز أن يكون منقطعا . وروى
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=839425أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى عظيم من المشركين يدعوه إلى الله - عز وجل - فقال لرسول الله : أخبرني عن إلهك هذا ؟ أهو من فضة أم من ذهب أم من نحاس ؟ فاستعظم ذلك ; فرجع إليه فأعلمه ; فقال : ارجع إليه فادعه فرجع إليه وقد أصابته صاعقة ، وعاد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نزل : وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال قال
ابن الأعرابي : المحال المكر ، والمكر من الله - عز وجل - التدبير بالحق .
النحاس : المكر من الله إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر . وروى
ابن اليزيدي عن
أبي زيد وهو شديد المحال أي النقمة . وقال
الأزهري : المحال أي القوة والشدة . والمحل : الشدة ; الميم أصلية ، وماحلت فلانا محالا أي قاويته حتى يتبين أينا أشد . وقال
أبو عبيد : المحال العقوبة والمكروه . وقال
ابن عرفة : المحال الجدال ; يقال : ماحل عن أمره أي جادل . وقال
القتيبي : أي شديد الكيد ; وأصله من الحيلة ، جعل ميمه كميم المكان ; وأصله من الكون ، ثم يقال : تمكنت . وقال
الأزهري : غلط
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة أن الميم فيه زائدة ; بل هي أصلية ، وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسورة فهي أصلية ; مثل : مهاد وملاك ومراس ، وغير ذلك من الحروف . ومفعل إذا كانت من بنات الثلاثة فإنه يجيء بإظهار الواو مثل : مزود ومحول ومحور ، وغيرها من الحروف ; وقال : وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج " وهو شديد المحال " بفتح الميم ; وجاء تفسيره على هذه القراءة عن
ابن عباس أنه الحول ، ذكر هذا كله
أبو عبيد الهروي ، إلا ما ذكرناه أولا عن
ابن الأعرابي ; وأقاويل الصحابة والتابعين بمعناها ; وهي ثمانية : أولها : شديد العداوة ، قاله
ابن عباس . وثانيها : شديد الحول ، قاله
ابن عباس أيضا . وثالثها : شديد الأخذ ، قاله
علي بن أبي طالب . ورابعها : شديد الحقد ، قاله
ابن عباس . وخامسها : شديد القوة ، قاله
مجاهد . وسادسها : شديد الغضب ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه . وسابعها : شديد الهلاك بالمحل ، وهو القحط ; قاله
الحسن أيضا . وثامنها : شديد الحيلة ; قاله
قتادة . وقال
أبو عبيدة ومعمر : المحال والمماحلة المماكرة والمغالبة ; وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=12324للأعشى :
فرع نبع يهتز في غصن المج د كثير الندى شديد المحال
[ ص: 262 ] وقال آخر :
ولبس بين أقوام فكل أعد له الشغازب والمحالا
وقال
عبد المطلب :
لاهم إن المرء يم نع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحا لهم عدوا محالك