قوله تعالى :
والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين قوله تعالى : والأرض مددناها هذا من نعمه أيضا ، ومما يدل على كمال قدرته .
قال
ابن عباس : بسطناها على وجه الماء ; كما قال :
والأرض بعد ذلك دحاها أي بسطها . وقال :
والأرض فرشناها فنعم الماهدون . وهو يرد على من زعم أنها كالكرة . وقد تقدم .
وألقينا فيها رواسي جبالا ثابتة لئلا تتحرك بأهلها .
وأنبتنا فيها من كل شيء موزون أي مقدر معلوم ; قاله
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير . وإنما قال موزون لأن الوزن يعرف به مقدار الشيء . قال الشاعر :
قد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه
وقال
قتادة : موزون يعني مقسوم . وقال
مجاهد : موزون معدود ; ويقال : هذا كلام موزون ; أي منظوم غير منتثر . فعلى هذا أي أنبتنا في الأرض ما يوزن من الجواهر والحيوانات والمعادن . وقد قال الله - عز وجل - في الحيوان :
وأنبتها نباتا حسنا . والمقصود من الإنبات
[ ص: 13 ] الإنشاء والإيجاد . وقيل : أنبتنا فيها أي في الجبال
من كل شيء موزون من الذهب والفضة والنحاس والرصاص والقصدير ، حتى الزرنيخ والكحل ، كل ذلك يوزن وزنا . روي معناه عن
الحسن وابن زيد . وقيل : أنبتنا في الأرض الثمار مما يكال ويوزن . وقيل : ما يوزن فيه الأثمان لأنه أجل قدرا وأعم نفعا مما لا ثمن له .
وجعلنا لكم فيها معايش يعني المطاعم والمشارب التي يعيشون بها ; واحدها معيشة ( بسكون الياء ) . ومنه قول
جرير :
تكلفني معيشة آل زيد ومن لي بالمرقق والصناب
والأصل معيشة على مفعلة ( بتحريك الياء ) . وقد تقدم في الأعراف . وقيل : إنها الملابس ; قاله
الحسن . وقيل : إنها التصرف في أسباب الرزق مدة الحياة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : وهو الظاهر .
ومن لستم له برازقين يريد الدواب والأنعام ; قاله
مجاهد . وعنده أيضا هم العبيد والأولاد الذين قال الله فيهم :
نحن نرزقهم وإياكم ولفظ من يجوز أن يتناول العبيد والدواب إذا اجتمعوا ; لأنه إذا اجتمع من يعقل وما لا يعقل ، غلب من يعقل . أي جعلنا لكم فيها معايش وعبيدا وإماء ودواب وأولادا نرزقهم ولا ترزقونهم . ف " من " على هذا التأويل في موضع نصب ; قال معناه
مجاهد وغيره . وقيل : أراد به الوحش . قال
سعيد : قرأ علينا
منصور ومن لستم له برازقين قال : الوحش . ف من على هذا تكون لما لا يعقل ; مثل
فمنهم من يمشي على بطنه الآية . وهي في محل خفض عطفا على الكاف والميم في قوله : " لكم " . وفيه قبح عند البصريين ; فإنه لا يجوز عندهم عطف الظاهر على المضمر إلا بإعادة حرف الجر ; مثل مررت به وبزيد . ولا يجوز مررت به وزيد إلا في الشعر . كما قال :
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيام من عجب
وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " وسورة " النساء " .