قوله تعالى :
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان قال العلماء : يعني على قلوبهم . وقال
ابن عيينة : أي في أن يلقيهم في ذنب يمنعهم عفوي ويضيقه عليهم . وهؤلاء الذين هداهم الله واجتباهم واختارهم واصطفاهم .
قلت : لعل قائلا يقول : قد أخبر الله عن صفة
آدم وحواء - عليهما السلام - بقوله :
فأزلهما الشيطان [ ص: 27 ] وعن جملة من أصحاب نبيه بقوله :
إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا فالجواب ما ذكر ، وهو أنه ليس له سلطان على قلوبهم ، ولا موضع إيمانهم ، ولا يلقيهم في ذنب يئول إلى عدم القبول ، بل تزيله التوبة وتمحوه الأوبة . ولم يكن خروج
آدم عقوبة لما تناول ; على ما تقدم في " البقرة " بيانه . وأما أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد مضى القول عنهم في آل عمران . ثم إن قوله سبحانه :
ليس لك عليهم سلطان يحتمل أن يكون خاصا فيمن حفظه الله ، ويحتمل أن يكون في أكثر الأوقات والأحوال ، وقد يكون في تسلطه تفريج كربة وإزالة غمة ;
nindex.php?page=hadith&LINKID=839496كما فعل ببلال ، إذ أتاه يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام ، ونام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس ، وفزعوا وقالوا : ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا ؟ فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ليس في النوم تفريط ففرج عنهم .
إلا من اتبعك من الغاوين أي الضالين المشركين . أي سلطانه على هؤلاء ; دليله
إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون .
الثانية : وهذه الآية والتي قبلها دليل على جواز
استثناء القليل من الكثير والكثير من القليل ; مثل أن يقول : عشرة إلا درهما . أو يقول : عشرة إلا تسعة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : لا يجوز أن يستثنى إلا قدر النصف فما دونه . وأما استثناء الأكثر من الجملة فلا يصح . ودليلنا هذه الآية ، فإن فيها استثناء الغاوين من العباد والعباد من الغاوين ، وذلك يدل على أن استثناء الأقل من الجملة واستثناء الأكثر من الجملة جائز .