قوله تعالى :
لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبو بكر بن العربي : قال المفسرون بأجمعهم أقسم الله - تعالى - هاهنا بحياة
محمد - صلى الله عليه وسلم - تشريفا له ، أن قومه من
قريش في سكرتهم يعمهون وفي حيرتهم يترددون . قلت : وهكذا قال
القاضي عياض : أجمع أهل التفسير في هذا أنه
قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - . وأصله ضم العين من العمر ولكنها فتحت لكثرة الاستعمال . ومعناه وبقائك يا
محمد . وقيل وحياتك . وهذا نهاية التعظيم وغاية البر والتشريف . قال
أبو الجوزاء : ما أقسم الله بحياة أحد غير
محمد - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه أكرم البرية عنده . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : " ما الذي يمنع أن يقسم الله - سبحانه وتعالى - بحياة
لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء ، وكل ما يعطيه الله - تعالى -
للوط من فضل يؤتي ضعفيه من شرف
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه أكرم على الله منه ; أولا ترى أنه سبحانه أعطى
إبراهيم الخلة
وموسى التكليم وأعطى ذلك
لمحمد ، فإذا أقسم بحياة
لوط فحياة
محمد أرفع . ولا يخرج من كلام إلى كلام لم يجر له ذكر لغير ضرورة " . قلت : ما قاله حسن ; فإنه كان يكون قسمه سبحانه بحياة
محمد - صلى الله عليه وسلم - كلاما معترضا في قصة
لوط . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12851القشيري أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم في تفسيره : ويحتمل أن يقال : يرجع ذلك إلى قوم
لوط ، أي كانوا في سكرتهم يعمهون . وقيل : لما وعظ
لوط قومه وقال هؤلاء بناتي قالت الملائكة : يا
لوط ،
لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ولا يدرون ما يحل بهم صباحا . فإن قيل : فقد أقسم - تعالى - بالتين والزيتون وطور سينين ; فما في هذا ؟ قيل له :
ما من شيء أقسم الله به إلا وذلك دلالة على فضله على ما يدخل في عداده ، فكذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يكون أفضل ممن هو في عداده . والعمر والعمر ( بضم العين وفتحها ) لغتان ومعناهما واحد ; إلا أنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح لكثرة الاستعمال . وتقول : عمرك الله ، أي أسأل الله تعميرك . ولعمرك رفع بالابتداء وخبره محذوف . المعنى لعمرك مما أقسم به .
[ ص: 37 ] الثانية : كره كثير من العلماء أن
يقول الإنسان لعمري ; لأن معناه وحياتي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي : يكره للرجل أن يقول لعمري ; لأنه حلف بحياة نفسه ، وذلك من كلام ضعفة الرجال . ونحو هذا قال
مالك : إن المستضعفين من الرجال والمؤنثين يقسمون بحياتك وعيشك ، وليس من كلام أهل الذكران ، وإن كان الله سبحانه أقسم به في هذه القصة ، فذلك بيان لشرف المنزلة والرفعة لمكانه ، فلا يحمل عليه سواه ولا يستعمل في غيره . وقال
ابن حبيب : ينبغي أن يصرف لعمرك في الكلام لهذه الآية . وقال
قتادة : هو من كلام العرب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وبه أقول ، لكن الشرع قد قطعه في الاستعمال ورد القسم إليه .
قلت . القسم ب " لعمرك ولعمري " ونحوه في أشعار العرب وفصيح كلامها كثير .
قال
النابغة :
لعمري وما عمري علي بهين لقد نطقت بطلا علي الأقارع
آخر :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد
آخر :
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
آخر :
إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها
وقال بعض أهل المعاني : لا يجوز هذا ; لأنه لا يقال لله عمر ، وإنما هو - تعالى - أزلي . ذكره
الزهراوي .
الثالثة : قد مضى الكلام فيما يحلف به وما لا يجوز الحلف به في " المائدة " ، وذكرنا هناك قول
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل فيمن
أقسم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لزمته الكفارة . قال
ابن خويز منداد : من جوز
الحلف بغير الله - تعالى - مما يجوز تعظيمه بحق من الحقوق فليس يقول إنها يمين تتعلق بها كفارة ; إلا أنه من قصد الكذب كان ملوما ; لأنه في الباطن مستخف بما وجب عليه تعظيمه . قالوا : وقوله - تعالى - لعمرك أي وحياتك . وإذا أقسم الله - تعالى - بحياة نبيه فإنما أراد بيان
[ ص: 38 ] التصريح لنا أنه يجوز لنا أن نحلف بحياته . وعلى مذهب
مالك معنى قوله : لعمرك
والتين والزيتون .
والطور وكتاب مسطور والنجم إذا هوى والشمس وضحاها لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد كل هذا معناه : وخالق التين والزيتون ، وبرب الكتاب المسطور ، وبرب البلد الذي حللت به ، وخالق عيشك وحياتك ، وحق
محمد ; فاليمين والقسم حاصل به سبحانه لا بالمخلوق . قال
ابن خويز منداد : ومن جوز اليمين بغير الله - تعالى - تأول قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835366لا تحلفوا بآبائكم وقال : إنما نهى عن
الحلف بالآباء الكفار ، ألا ترى أنه قال لما حلفوا بآبائهم : (
للجبل عند الله أكرم من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية ) .
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك حمل الحديث على ظاهره . قال
ابن خويز منداد : واستدل أيضا من جوز ذلك بأن أيمان المسلمين جرت منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا أن يحلفوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، حتى أن
أهل المدينة إلى يومنا هذا إذا حاكم أحدهم صاحبه قال : احلف لي بحق ما حواه هذا القبر ، وبحق ساكن هذا القبر ، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك بالحرم والمشاعر العظام ، والركن والمقام والمحراب وما يتلى فيه .