قوله تعالى :
إن في ذلك لآيات للمتوسمين [ ص: 39 ] فيه مسألتان :
الأولى : قوله - تعالى - : للمتوسمين روى
nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم في ( نوادر الأصول ) من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( للمتفرسين ) وهو قول
مجاهد . وروى
أبو عيسى الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835367اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله - ثم قرأ - إن في ذلك لآيات للمتوسمين . قال : هذا حديث غريب . وقال
مقاتل وابن زيد : للمتوسمين للمتفكرين .
الضحاك : للنظارين . قال الشاعر :
أوكلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إلى عريفهم يتوسم
وقال
قتادة : للمعتبرين . قال
زهير :
وفيهن ملهى للصديق ومنظر أنيق لعين الناظر المتوسم
وقال
أبو عبيدة : للمتبصرين ، والمعنى متقارب . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم من حديث
ثابت عن
أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500155إن لله - عز وجل - عبادا يعرفون الناس بالتوسم . قال العلماء : التوسم تفعل من الوسم ، وهي العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها . يقال : توسمت فيه الخير إذا رأيت ميسم ذلك فيه ; ومنه قول
عبد الله بن رواحة للنبي - صلى الله عليه وسلم - :
إني توسمت فيك الخير أعرفه الله يعلم أني ثابت البصر
آخر :
توسمته لما رأيت مهابة عليه وقلت المرء من آل هاشم
[ ص: 40 ] واتسم الرجل إذا جعل لنفسة علامة يعرف بها . وتوسم الرجل طلب كلأ النسمي . وأنشد :
وأصبحن كالدوم النواعم غدوة على وجهة من ظاعن متوسم
وقال
ثعلب : الواسم الناظر إليك من فرقك إلى قدمك . وأصل التوسم التثبت والتفكر ; مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير وغيره ، وذلك يكون بجودة القريحة وحدة الخاطر وصفاء الفكر . زاد غيره : وتفريغ القلب من حشو الدنيا ، وتطهيره من أدناس المعاصي وكدورة الأخلاق وفضول الدنيا . روى
نهشل عن
ابن عباس للمتوسمين قال : لأهل الصلاح والخير . وزعمت
الصوفية أنها كرامة . وقيل : بل هي استدلال بالعلامات ، ومن العلامات ما يبدو ظاهرا لكل أحد وبأول نظرة ، ومنها ما يخفى فلا يبدو لكل أحد ولا يدرك ببادئ النظر . قال
الحسن : المتوسمون هم الذين يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذي أهلك قوم
لوط قادر على أن يهلك الكفار ; فهذا من الدلائل الظاهرة . ومثله قول
ابن عباس ، : ( ما سألني أحد عن شيء إلا عرفت أفقيه هو أو غير فقيه ) . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما كانا بفناء
الكعبة ورجل على باب المسجد فقال أحدهما : أراه نجارا ، وقال الآخر : بل حدادا ، فتبادر من حضر إلى الرجل فسأل فقال : كنت نجارا وأنا اليوم حداد . وروي عن
جندب بن عبد الله البجلي أنه أتى على رجل يقرأ القرآن فوقف فقال : من سمع سمع الله به ، ومن راءى راءى الله به . فقلنا له : كأنك عرضت بهذا الرجل ، فقال : إن هذا يقرأ عليك القرآن اليوم ويخرج غدا حروريا ; فكان رأس
الحرورية ، واسمه
مرداس . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه دخل عليه
nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد فقال : هذا سيد فتيان
البصرة إن لم يحدث ، فكان من أمره من القدر ما كان ، حتى هجره عامة إخوانه . وقال
لأيوب : هذا سيد فتيان أهل
البصرة ، ولم يستثن . وروي عن
الشعبي أنه قال
لداود الأزدي وهو يماريه : إنك لا تموت حتى تكوى في رأسك ، وكان كذلك . وروي أن
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دخل عليه قوم من
مذحج فيهم
الأشتر ، فصعد فيه النظر وصوبه وقال : أيهم هذا ؟ قالوا :
مالك بن الحارث . فقال : ما له قاتله الله ! إني لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا ; فكان منه في الفتنة ما كان . وروي عن
عثمان بن عفان - رضي الله عنه - : أن
أنس بن مالك دخل عليه ، وكان قد مر بالسوق فنظر إلى امرأة ، فلما نظر إليه قال
عثمان : ( يدخل أحدكم علي وفي عينيه أثر الزنا ! فقال له
أنس : أوحيا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال لا ولكن برهان وفراسة وصدق ) . ومثله كثير عن الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين - .
الثانية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي : " إذا ثبت أن
التوسم والتفرس من مدارك المعاني فإن
[ ص: 41 ] ذلك لا يترتب عليه حكم ولا يؤخذ به موسوم ولا متفرس . وقد كان قاضي القضاة الشامي المالكي
ببغداد أيام كوني
بالشام يحكم
بالفراسة في الأحكام ، جريا على طريق
إياس بن معاوية أيام كان قاضيا ، وكان شيخنا
nindex.php?page=showalam&ids=14561فخر الإسلام أبو بكر الشاشي صنف جزءا في الرد عليه ، كتبه لي بخطه وأعطانيه ، وذلك صحيح ; فإن
مدارك الأحكام معلومة شرعا مدركة قطعا وليست الفراسة منها