قوله تعالى :
وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله - تعالى - :
وتحمل أثقالكم الأثقال أثقال الناس من متاع وطعام وغيره ، وهو ما يثقل الإنسان حمله . وقيل : المراد أبدانهم ; يدل على ذلك قوله - تعالى - :
وأخرجت الأرض أثقالها . والبلد
مكة ، في قول
عكرمة . وقيل : هو محمول على العموم في كل بلد مسلكه على الظهر . وشق الأنفس : مشقتها وغاية جهدها . وقراءة العامة بكسر الشين . قال
الجوهري : والشق المشقة ; ومنه قوله - تعالى - :
لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وهذا قد يفتح ، حكاه
أبو عبيدة . قال
المهدوي : وكسر الشين وفتحها في " شق " متقاربان ، وهما بمعنى المشقة ، وهو من الشق في العصا ونحوها ; لأنه ينال منها كالمشقة من الإنسان . وقال
الثعلبي : وقرأ
أبو جعفر إلا بشق الأنفس وهما لغتان ، مثل رق ورق وجص وجص ورطل ورطل . وينشد قول الشاعر بكسر الشين وفتحها :
وذي إبل يسعى ويحسبها له أخي نصب من شقها ودؤوب
ويجوز أن يكون بمعنى المصدر ، من شققت عليه أشق شقا . والشق أيضا بالكسر النصف ، يقال : أخذت شق الشاة وشقة الشاة . وقد يكون المراد من الآية هذا المعنى ; أي لم تكونوا بالغيه إلا بنقص من القوة وذهاب شق منها ، أي لم تكونوا تبلغوه إلا بنصف قوى أنفسكم وذهاب النصف الآخر . والشق أيضا الناحية من الجبل . وفي حديث
أم زرع : وجدني في أهل غنيمة بشق . قال
أبو عبيد : هو اسم موضع . والشق أيضا : الشقيق ، يقال :
[ ص: 67 ] هو أخي وشق نفسي . وشق اسم كاهن من كهان العرب . والشق أيضا : الجانب ; ومنه قول
امرئ القيس :
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق وتحتي شقها لم يحول
فهو مشترك .
الثانية :
من الله سبحانه بالأنعام عموما ، وخص الإبل هنا بالذكر في حمل الأثقال على سائر الأنعام ; فإن الغنم للسرح والذبح ، والبقر للحرث ، والإبل للحمل . وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835392بينما رجل يسوق بقرة له قد حمل عليها التفتت إليه البقرة فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني إنما خلقت للحرث فقال الناس سبحان الله تعجبا وفزعا أبقرة تكلم ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وإني أومن به وأبو بكر وعمر . فدل هذا الحديث على أن البقر لا يحمل عليها ولا تركب ، وإنما هي للحرث وللأكل والنسل والرسل .
الثالثة : في هذه الآية دليل على
جواز السفر بالدواب وحمل الأثقال عليها . ولكن على قدر ما تحتمله من غير إسراف في الحمل مع الرفق في السير . وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرفق بها والإراحة لها ومراعاة التفقد لعلفها وسقيها . وروى
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835393إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها رواه
مالك في الموطأ عن
أبي عبيد عن
خالد بن معدان . وروى
معاوية بن قرة قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=4لأبي الدرداء جمل يقال له دمون ، فكان يقول : يا دمون ، لا تخاصمني عند ربك . فالدواب عجم لا تقدر أن تحتال لنفسها ما تحتاج إليه ، ولا تقدر أن تفصح بحوائجها ، فمن ارتفق بمرافقها ثم ضيعها من حوائجها فقد ضيع الشكر وتعرض للخصومة بين يدي الله - تعالى - . وروى
مطر بن محمد قال : حدثنا
أبو داود قال حدثنا
ابن خالد قال حدثنا
المسيب بن آدم قال . رأيت
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ضرب جمالا وقال : تحمل على بعيرك ما لا يطيق .