قوله تعالى : وعلامات وبالنجم هم يهتدون فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : وعلامات قال
ابن عباس : العلامات معالم الطرق بالنهار ; أي جعل للطريق علامات يقع الاهتداء بها .
وبالنجم هم يهتدون يعني بالليل ، والنجم يراد به النجوم . وقرأ
ابن وثاب " وبالنجم " .
الحسن : بضم النون والجيم جميعا ومراده النجوم ، فقصره ; كما قال الشاعر :
إن الفقير بيننا قاض حكم أن ترد الماء إذا غاب النجم
وكذلك القول لمن قرأ " النجم " إلا أنه سكن استخفافا . ويجوز أن يكون النجم جمع نجم كسقف وسقف . واختلف في النجوم ; فقال
الفراء : الجدي والفرقدان . وقيل : الثريا . قال الشاعر :
حتى إذا ما استقل النجم في غلس وغودر البقل ملوي ومحصود
أي منه ملوي ومنه محصود ، وذلك عند طلوع الثريا يكون . وقال
الكلبي : العلامات الجبال . وقال
مجاهد : هي النجوم ; لأن من النجوم ما يهتدى بها ، ومنها ما يكون علامة لا يهتدى بها ; وقاله
قتادة والنخعي . وقيل : تم الكلام عند قوله وعلامات ثم ابتدأ وقال :
وبالنجم هم يهتدون . وعلى الأول : أي وجعل لكم علامات ونجوما تهتدون بها . ومن العلامات الرياح يهتدى بها . وفي المراد بالاهتداء قولان : أحدهما : في الأسفار ، وهذا قول الجمهور . الثاني : في القبلة . وقال
ابن عباس : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - تعالى - :
[ ص: 84 ] وبالنجم هم يهتدون قال :
هو الجدي يا ابن عباس ، عليه قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي .
الثانية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : أما جميع النجوم فلا يهتدي بها إلا العارف بمطالعها ومغاربها ، والفرق بين الجنوبي والشمالي منها ، وذلك قليل في الآخرين . وأما الثريا فلا يهتدي بها إلا من يهتدي بجميع النجوم . وإنما الهدى لكل أحد بالجدي والفرقدين ; لأنها من النجوم المنحصرة المطالع الظاهرة السمت الثابتة في المكان ، فإنها تدور على القطب الثابت دورانا محصلا ، فهي أبدا هدى الخلق في البر إذا عميت الطرق ، وفي البحر عند مجرى السفن ، وفي القبلة إذا جهل السمت ، وذلك على الجملة بأن تجعل القطب على ظهر منكبك الأيسر فما استقبلت فهو سمت الجهة .
قلت :
وسأل ابن عباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النجم فقال : هو الجدي عليه قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم . وذلك أن آخر الجدي بنات نعش الصغرى والقطب الذي تستوي عليه القبلة بينها .
الثالثة : قال علماؤنا :
وحكم استقبال القبلة على وجهين : أحدهما : أن يراها ويعاينها فيلزمه استقبالها وإصابتها وقصد جهتها بجميع بدنه . والآخر : أن تكون
الكعبة بحيث لا يراها فيلزمه التوجه نحوها وتلقاءها بالدلائل ، وهي الشمس والقمر والنجوم والرياح وكل ما يمكن به معرفة جهتها ، ومن غابت عنه وصلى مجتهدا إلى غير ناحيتها وهو ممن يمكنه الاجتهاد فلا صلاة له ; فإذا صلى مجتهدا مستدلا ثم انكشف له بعد الفراغ من صلاته أنه صلى إلى غير القبلة أعاد إن كان في وقتها ، وليس ذلك بواجب عليه ; لأنه قد أدى فرضه على ما أمر به . وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " مستوفى والحمد لله