قوله تعالى :
الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون [ ص: 90 ] قوله تعالى : الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم هذا من صفة الكافرين . و
ظالمي أنفسهم نصب على الحال ; أي وهم ظالمون أنفسهم إذ أوردوها موارد الهلاك .
فألقوا السلم أي الاستسلام . أي أقروا لله بالربوبية وانقادوا عند الموت وقالوا :
ما كنا نعمل من سوء أي من شرك . فقالت لهم الملائكة : بلى قد كنتم تعملون الأسواء .
إن الله عليم بما كنتم تعملون وقال
عكرمة .
نزلت هذه الآية بالمدينة في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا ، فأخرجتهم
قريش إلى
بدر كرها فقتلوا بها ; فقال :
الذين تتوفاهم الملائكة بقبض أرواحهم .
ظالمي أنفسهم في مقامهم
بمكة وتركهم الهجرة .
فألقوا السلم يعني في خروجهم معهم . وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه الصلح ; قاله
الأخفش . الثاني : الاستسلام ; قاله
قطرب . الثالث : الخضوع ; قاله
مقاتل .
ما كنا نعمل من سوء يعني من كفر .
بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون يعني أن أعمالهم أعمال الكفار . وقيل : إن بعض المسلمين لما رأوا قلة المؤمنين رجعوا إلى المشركين ; فنزلت فيهم . وعلى القول الأول فلا يخرج كافر ولا منافق من الدنيا حتى ينقاد ويستسلم ، ويخضع ويذل ، ولا تنفعهم حينئذ توبة ولا إيمان ; كما قال :
فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا . وقد تقدم هذا المعنى وتقدم في " الأنفال " أن الكفار يتوفون بالضرب والهوان وكذلك في " الأنعام " وقد ذكرناه في كتاب التذكرة