قوله :
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم قراءة العامة " يوحى " بالياء وفتح الحاء . وقرأ
حفص عن
عاصم نوحي إليهم بنون العظمة وكسر الحاء . نزلت في مشركي
مكة حيث أنكروا نبوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فهلا بعث إلينا ملكا ; فرد الله - تعالى - عليهم بقوله :
وما أرسلنا من قبلك إلى الأمم الماضية يا
محمد إلا رجالا آدميين .
فاسألوا أهل الذكر قال
سفيان : يعني مؤمني
أهل الكتاب . وقيل : المعنى فاسألوا
أهل [ ص: 98 ] الكتاب فإن لم يؤمنوا فهم معترفون بأن الرسل كانوا من البشر . روي معناه عن
ابن عباس ومجاهد . وقال
ابن عباس : أهل الذكر أهل القرآن . وقيل : أهل العلم ، والمعنى متقارب .
إن كنتم لا تعلمون يخبرونكم أن جميع الأنبياء كانوا بشرا .
بالبينات والزبر قيل : بالبينات ، متعلق بأرسلنا " . وفي الكلام تقديم وتأخير ، أي ما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا - أي غير رجال ، فإلا بمعنى غير ; كقوله : لا إله إلا الله ، وهذا قول
الكلبي - نوحي إليهم . وقيل : في الكلام حذف دل عليه أرسلنا أي أرسلناهم بالبينات والزبر . ولا يتعلق بالبينات بأرسلنا الأول على هذا القول ; لأن ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها ، وإنما يتعلق بأرسلنا المقدرة ، أي أرسلناهم بالبينات . وقيل : مفعول ب تعلمون والباء زائدة ، أو نصب بإضمار أعني ; كما قال
الأعشى :
وليس مجيرا إن أتى الحي خائف ولا قائلا إلا هو المتعيبا
أي أعني المتعيب . والبينات : الحجج والبراهين . والزبر : الكتب . وقد تقدم في آل عمران
وأنزلنا إليك الذكر يعني القرآن .
لتبين للناس ما نزل إليهم في هذا الكتاب من الأحكام والوعد والوعيد بقولك وفعلك ; فالرسول - صلى الله عليه وسلم - مبين عن الله - عز وجل - مراده مما أجمله في كتابه من أحكام الصلاة والزكاة ، وغير ذلك مما لم يفصله .
ولعلهم يتفكرون فيتعظون .