قوله تعالى :
ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين قوله تعالى : ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر اختلف في اسم هذا الذي قالوا إنما يعلمه ; فقيل : هو غلام
الفاكه بن المغيرة واسمه
جبر ، كان نصرانيا فأسلم ; وكانوا إذا سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما مضى وما هو آت مع أنه أمي لم يقرأ قالوا : إنما يعلمه
جبر وهو أعجمي ; فقال الله - تعالى - :
لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين أي كيف يعلمه
جبر وهو أعجمي هذا الكلام الذي لا يستطيع الإنس والجن أن يعارضوا منه سورة واحدة فما فوقها . وذكر
النقاش أن مولى
جبر كان يضربه ويقول له : أنت تعلم
محمدا ، فيقول : لا والله ، بل هو يعلمني ويهديني . وقال
ابن إسحاق : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرا ما يجلس عند المروة إلى غلام نصراني يقال له
جبر ، عبد بني الحضرمي ، وكان يقرأ الكتب ، فقال المشركون : والله ما يعلم
محمدا ما يأتي به إلا
جبر النصراني . وقال
عكرمة : اسمه
يعيش عبد
لبني الحضرمي ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقنه القرآن ; ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . وذكر
الثعلبي عن
عكرمة وقتادة أنه غلام
لبني المغيرة اسمه
يعيش ، وكان يقرأ الكتب الأعجمية ، فقالت
قريش : إنما يعلمه بشر ، فنزلت .
المهدوي عن
عكرمة : هو غلام لبني
عامر بن لؤي ، واسمه
يعيش . وقال
عبد الله بن مسلم الحضرمي : كان لنا غلامان نصرانيان من
أهل عين التمر ، اسم أحدهما
يسار واسم الآخر
جبر . كذا ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي والقشيري والثعلبي ; إلا أن
الثعلبي قال : يقال لأحدهما نبت ويكنى
أبا فكيهة ، والآخر
جبر ، وكانا صيقلين يعملان السيوف ; وكانا يقرآن كتابا لهم .
الثعلبي : يقرآن التوراة والإنجيل .
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي والمهدوي : التوراة . فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمر بهما ويسمع قراءتهما ، وكان المشركون يقولون : يتعلم منهما ، فأنزل الله هذه الآية وأكذبهم . وقيل : عنوا
سلمان الفارسي - رضي الله عنه - ; قاله
الضحاك . وقيل :
[ ص: 162 ] نصرانيا
بمكة اسمه
بلعام ، وكان غلاما يقرأ التوراة ; قاله
ابن عباس . وقال
القتبي : كان
بمكة رجل نصراني يقال له
أبو ميسرة يتكلم بالرومية ، فربما قعد إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال الكفار : إنما يتعلم
محمد منه ، فنزلت . وفي رواية أنه
عداس غلام
عتبة بن ربيعة . وقيل :
عابس غلام
nindex.php?page=showalam&ids=2207حويطب بن عبد العزى ويسار أبو فكيهة مولى
ابن الحضرمي ، وكانا قد أسلما . والله أعلم
قلت : والكل محتمل ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ربما جلس إليهم في أوقات مختلفة ليعلمهم مما علمه الله ، وكان ذلك
بمكة . وقال
النحاس : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة ; لأنه يجوز أن يكونوا أومأوا إلى هؤلاء جميعا ، وزعموا أنهم يعلمونه .
قلت : وأما ما ذكره
الضحاك من أنه
سلمان ففيه بعد ; لأن
سلمان إنما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -
بالمدينة ، وهذه الآية مكية .
لسان الذي يلحدون إليه أعجمي الإلحاد : الميل ; يقال : لحد وألحد ، أي مال عن القصد . وقد تقدم في الأعراف وقرأ حمزة " يلحدون " بفتح الياء والحاء ; أي لسان الذي يميلون إليه ويشيرون أعجمي . والعجمة : الإخفاء وضد البيان . ورجل أعجم وامرأة عجماء ، أي لا يفصح ; ومنه عجم الذنب لاستتاره . والعجماء : البهيمة ; لأنها لا توضح عن نفسها . وأعجمت الكتاب أي أزلت عجمته . والعرب تسمي كل من لا يعرف لغتهم ولا يتكلم بكلامهم أعجميا . وقال
الفراء : الأعجم الذي في لسانه عجمة وإن كان من العرب ، والأعجمي أو العجمي الذي أصله من العجم . وقال
أبو علي : الأعجمي الذي لا يفصح ، سواء كان من العرب أو من العجم ، وكذلك الأعجم والأعجمي المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحا . وأراد باللسان القرآن ; لأن العرب تقول للقصيدة والبيت : لسان ; قال الشاعر :
لسان الشر تهديها إلينا وخنت وما حسبتك أن تخونا
يعني باللسان القصيدة .
وهذا لسان عربي مبين أي أفصح ما يكون من العربية .