قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قوله تعالى :
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها فيه مسألتان :
الأولى : قوله - تعالى - : ما وزينة مفعولان . والزينة كل ما على وجه الأرض ; فهو عموم لأنه دال على بارئه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير عن
ابن عباس :
[ ص: 318 ] أراد بالزينة الرجال ; قال
مجاهد . وروى
عكرمة عن
ابن عباس أن الزينة الخلفاء والأمراء . وروى
ابن أبي نجيح عن
مجاهد عن
ابن عباس في قوله - تعالى - :
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها قال العلماء : زينة الأرض . وقالت فرقة : أراد النعم والملابس والثمار والخضرة والمياه ، ونحو هذا مما فيه زينة ; ولم يدخل فيه الجبال الصم وكل ما لا زينة فيه كالحيات والعقارب . والقول بالعموم أولى ، وأن كل ما على الأرض فيه زينة من جهة خلقه وصنعه وإحكامه . والآية بسط في التسلية ; أي لا تهتم يا
محمد للدنيا وأهلها فإنا إنما جعلنا ذلك امتحانا واختبارا لأهلها ; فمنهم من يتدبر ويؤمن ، ومنهم من يكفر ، ثم يوم القيامة بين أيديهم ; فلا يعظمن عليك كفرهم فإنا نجازيهم .
الثانية : معنى هذه الآية ينظر إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835571إن الدنيا خضرة حلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون . وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835572إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا قال : وما زهرة الدنيا ؟ قال : بركات الأرض خرجهما
مسلم وغيره من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري . والمعنى : أن الدنيا مستطابة في ذوقها معجبة في منظرها كالثمر المستحلى المعجب المرأى ; فابتلى الله بها عباده لينظر أيهم أحسن عملا . أي من أزهد فيها وأترك لها ; ولا سبيل للعباد إلى معصية ما زينه الله إلا [ أن ] يعينه على ذلك . ولهذا كان عمر يقول فيما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا ، اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه . فدعا الله أن يعينه على إنفاقه في حقه . وهذا معنى قوله - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835573فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع . وهكذا هو المكثر من الدنيا لا يقنع بما يحصل له منها بل همته جمعها ; وذلك لعدم الفهم عن الله - تعالى - ورسوله ; فإن الفتنة معها حاصلة وعدم السلامة غالبة ، وقد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه .
وقال
ابن عطية : كان أبي - رضي الله عنه - يقول في قوله أحسن عملا : أحسن العمل أخذ بحق وإنفاق في حق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم والإكثار من المندوب إليه .
قلت : هذا قول حسن ، وجيز في ألفاظه بليغ في معناه ، وقد جمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في لفظ
[ ص: 319 ] واحد وهو قوله
لسفيان بن عبد الله الثقفي لما قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835574يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك - في رواية : غيرك . قال : قل آمنت بالله ثم استقم خرجه
مسلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : أحسن عملا أزهدهم فيها . وكذلك قال
أبو عصام العسقلاني : أحسن عملا أترك لها . وقد اختلفت
عبارات العلماء في الزهد ; فقال قوم : قصر الأمل وليس بأكل الخشن ولبس العباء ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري . قال علماؤنا : وصدق - رضي الله عنه - فإن من قصر أمله لم يتأنق في المطعومات ولا يتفنن في الملبوسات ، وأخذ من الدنيا ما تيسر ، واجتزأ منها بما يبلغ . وقال قوم : بغض المحمدة وحب الثناء . وهو قول
الأوزاعي ومن ذهب إليه . وقال قوم : ترك الدنيا كلها هو الزهد ; أحب تركها أم كره . وهو قول
فضيل . وعن
بشر بن الحارث قال : حب الدنيا حب لقاء الناس ، والزهد في الدنيا الزهد في لقاء الناس . وعن
الفضيل أيضا : علامة الزهد في الدنيا الزهد في الناس . وقال قوم : لا يكون الزاهد زاهدا حتى يكون ترك الدنيا أحب إليه من أخذها ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12358إبراهيم بن أدهم . وقال قوم : الزهد أن تزهد في الدنيا بقلبك ; قاله
ابن المبارك . وقالت فرقة : الزهد حب الموت . والقول الأول يعم هذه الأقوال بالمعنى فهو أولى .