قوله :
واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا
فيه ست مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
واذكر في الكتاب إسماعيل اختلف فيه ؛ فقيل : هو
إسماعيل بن حزقيل ، بعثه الله إلى قومه فسلخوا جلدة رأسه ، فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم ، فاستعفاه ورضي بثوابه ، وفوض أمرهم إليه في عفوه وعقوبته . والجمهور أنه
إسماعيل الذبيح أبو العرب ابن إبراهيم . وقد قيل : إن الذبيح
إسحاق ؛ والأول أظهر على ما تقدم ويأتي في ( والصافات ) إن شاء الله تعالى . وخصه الله تعالى بصدق الوعد وإن كان
[ ص: 40 ] موجودا في غيره من الأنبياء تشريفا له وإكراما ، كالتلقيب بنحو الحليم والأواه والصديق ؛ ولأنه المشهور المتواصف من خصاله .
الثانية :
صدق الوعد محمود وهو من خلق النبيين والمرسلين ، وضده وهو الخلف مذموم ، وذلك من أخلاق الفاسقين والمنافقين على ما تقدم بيانه في ( براءة ) . وقد أثنى الله تعالى على نبيه
إسماعيل فوصفه بصدق الوعد . واختلف في ذلك ؛ فقيل : إنه وعد من نفسه بالصبر على الذبح فصبر حتى فدي . هذا في قول من يرى أنه الذبيح . وقيل : وعد رجلا أن يلقاه في موضع فجاء
إسماعيل وانتظر الرجل يومه وليلته ، فلما كان في اليوم الآخر جاء ؛ فقال له : ما زلت هاهنا في انتظارك منذ أمس . وقيل : انتظره ثلاثة أيام . وقيل فعل مثله نبينا - صلى الله عليه وسلم - قبل بعثه ؛ ذكره
النقاش وخرجه
الترمذي وغيره
nindex.php?page=hadith&LINKID=832053عن عبد الله بن أبي الحمساء قال : بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ، ثم ذكرت بعد ثلاثة أيام ، فجئت فإذا هو في مكانه ؛ فقال : يا فتى لقد شققت علي أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك لفظ
أبي داود . وقال
يزيد الرقاشي : انتظره
إسماعيل اثنين وعشرين يوما ؛ ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . وفي كتاب
ابن سلام أنه انتظره سنة . وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري عن
ابن عباس أنه وعد صاحبا له أن ينتظره في مكان فانتظره سنة . وذكره
القشيري قال : فلم يبرح من مكانه سنة حتى أتاه
جبريل - عليه السلام - فقال إن التاجر الذي سألك أن تقعد له حتى يعود هو إبليس فلا تقعد ولا كرامة له . وهذا بعيد ولا يصح . وقد قيل : إن
إسماعيل لم يعد شيئا إلا وفى به ، وهذا قول صحيح ، وهو الذي يقتضيه ظاهر الآية ؛ والله أعلم .
الثالثة : من هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500211العدة دين . وفي الأثر ( وأي المؤمن واجب ) أي في أخلاق المؤمنين . وإنما قلنا إن ذلك ليس بواجب فرضا لإجماع العلماء على ما حكاه
أبو عمر أن من وعد بمال ما كان ليضرب به مع الغرماء ؛ فلذلك قلنا : إيجاب الوفاء به حسن مع المروءة ، ولا يقضى به والعرب تمتدح بالوفاء ، وتذم بالخلف والغدر ، وكذلك سائر الأمم ، ولقد أحسن القائل :
[ ص: 41 ] متى ما يقل حر لصاحب حاجة نعم يقضها والحر للوأي ضامن
ولا خلاف أن الوفاء يستحق صاحبه الحمد والشكر ، وعلى الخلف الذم . وقد أثنى الله تبارك وتعالى على من صدق وعده ، ووفى بنذره ؛ وكفى بهذا مدحا وثناء ، وبما خالفه ذما .
الرابعة : قال
مالك : إذا
سأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له نعم ، ثم يبدو له ألا يفعل فما أرى يلزمه . قال
مالك : ولو كان ذلك في قضاء دين فسأله أن يقضيه عنه فقال نعم ، وثم رجال يشهدون عليه فما أحراه أن يلزمه إذا شهد عليه اثنان . وقال
أبو حنيفة وأصحابه
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وسائر الفقهاء : إن
العدة لا يلزم منها شيء لأنها منافع لم يقبضها في العارية لأنها طارئة ، وفي غير العارية هي أشخاص وأعيان موهوبة لم تقبض فلصاحبها الرجوع فيها . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ؛ وقضى
ابن أشوع بالوعد وذكر ذلك عن
سمرة بن جندب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : ورأيت
إسحاق بن إبراهيم يحتج بحديث
ابن أشوع . الخامسة :
وكان رسولا نبيا قيل : أرسل
إسماعيل إلى جرهم . وكل الأنبياء كانوا إذا وعدوا صدقوا ، وخص
إسماعيل بالذكر تشريفا له . والله أعلم . السادسة :
وكان يأمر أهله قال
الحسن : يعني أمته . وفي حرف
ابن مسعود ( وكان يأمر أهله
جرهم وولده بالصلاة والزكاة ) .
وكان عند ربه مرضيا أي رضيا زاكيا صالحا . قال
الكسائي والفراء : من قال مرضي بناه على رضيت ، قالا :
وأهل الحجاز يقولون : مرضو . وقال
الكسائي والفراء : من العرب من يقول رضوان ورضيان فرضوان على مرضو ، ورضيان على مرضي ولا يجيز
البصريون أن يقولوا إلا رضوان وربوان . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12940أبو جعفر النحاس : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=14416أبا إسحاق الزجاج يقول : يخطئون في الخط فيكتبون ربا بالياء ثم يخطئون فيما هو أشد من هذا فيقولون ربيان ولا يجوز إلا ربوان ورضوان قال الله تعالى :
وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس .