قوله :
واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا [ ص: 42 ] قوله تعالى : واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا إدريس - عليه السلام - أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس المخيط ، وأول من نظر في علم النجوم والحساب وسيرها . وسمي
إدريس لكثرة درسه لكتاب الله تعالى . وأنزل الله تعالى عليه ثلاثين صحيفة كما في حديث
أبي ذر .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقيل سمي
إدريس إدريس لكثرة درسه كتاب الله تعالى ؛ وكان اسمه
أخنوخ وهو غير صحيح ؛ لأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفا ، فامتناعه من الصرف دليل على العجمة ؛ وكذلك إبليس أعجمي وليس من الإبلاس كما يزعمون ؛ ولا
يعقوب من العقب ، ولا
إسرائيل بإسرال كما زعم
ابن السكيت ؛ ومن لم يحقق ولم يتدرب بالصناعة كثرت منه أمثال هذه الهنات ؛ يجوز أن يكون معنى
إدريس - عليه السلام - في تلك اللغة قريبا من ذلك فحسبه الراوي مشتقا من الدرس . قال
الثعلبي والغزنوي وغيرهما : وهو جد
نوح وهو خطأ ؛ وقد تقدم في ( الأعراف ) بيانه . وكذا وقع في السيرة أن
نوحا - عليه السلام - ابن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو
إدريس النبي فيما يزعمون ؛ والله تعالى أعلم . وكان أول من أعطي النبوة من بني آدم ، وخط بالقلم .
ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن يانش بن شيث بن آدم - صلى الله عليه وسلم - . قوله تعالى :
ورفعناه مكانا عليا قال
أنس بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=44وأبو سعيد الخدري وغيرهما : يعني السماء الرابعة . وروي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ وقال
كعب الأحبار . وقال
ابن عباس والضحاك : يعني السماء السادسة ؛ ذكره
المهدوي .
قلت : ووقع في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال : سمعت
أنس بن مالك يقول : ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
مسجد الكعبة ، الحديث وفيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500212كل سماء فيها أنبياء - قد سماهم - منهم إدريس في الثانية . وهو وهم ، والصحيح أنه في السماء الرابعة ؛ كذلك رواه
ثابت البناني عن
أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ ذكره
مسلم في الصحيح . وروى
مالك بن صعصعة قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832055لما عرج بي إلى السماء أتيت على إدريس في السماء الرابعة . خرجه
مسلم أيضا . وكان سبب رفعه على ما قال
ابن عباس وكعب وغيرهما : أنه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس ، فقال : ( يا رب أنا مشيت يوما فكيف بمن يحملها خمسمائة عام في يوم واحد ! اللهم خفف عنه من ثقلها . يعني الملك الموكل بفلك الشمس ) ؛ يقول إدريس : اللهم خفف عنه من ثقلها واحمل عنه من حرها . فلما أصبح الملك وجد من خفة
[ ص: 43 ] الشمس والظل ما لا يعرف فقال : يا رب خلقتني لحمل الشمس فما الذي قضيت فيه ؟ فقال الله تعالى : ( أما إن عبدي
إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته ) فقال : يا رب اجمع بيني وبينه ، واجعل بيني وبينه خلة . فأذن الله له حتى أتى
إدريس ، وكان
إدريس - عليه السلام - يسأله . فقال أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت ، فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي ، فأزداد شكرا وعبادة . فقال الملك : لا يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها فقال للملك : قد علمت ذلك ولكنه أطيب لنفسي . قال نعم . ثم حمله على جناحه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ، ثم قال لملك الموت : لي صديق من بني
آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله . فقال : ليس ذلك إلي ولكن إن أحببت علمه أعلمته متى يموت . قال : ( نعم ) ثم نظر في ديوانه ، فقال : إنك تسألني عن إنسان ما أراه يموت أبدا . قال ( وكيف ) ؟ قال : لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس . قال : فإني أتيتك وتركته هناك ؛ قال : انطلق فما أراك تجده إلا وقد مات فوالله ما بقي من أجل
إدريس شيء . فرجع الملك فوجده ميتا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : إنه نام ذات يوم ، واشتد عليه حر الشمس ، فقام وهو منها في كرب ؛ فقال : اللهم خفف عن ملك الشمس حرها ، وأعنه على ثقلها ، فإنه يمارس نارا حامية . فأصبح ملك الشمس وقد نصب له كرسي من نور عنده سبعون ألف ملك عن يمينه ، ومثلها عن يساره يخدمونه ، ويتولون أمره وعمله من تحت حكمه ؛ فقال ملك الشمس : يا رب من أين لي هذا ؟ . قال ( دعا لك رجل من بني
آدم يقال له
إدريس ) ثم ذكر نحو حديث
كعب قال : فقال له ملك الشمس : أتريد حاجة ؟ قال : نعم وددت أني لو رأيت الجنة . قال : فرفعه على جناحه ، ثم طار به ، فبينما هو في السماء الرابعة التقى بملك الموت ينظر في السماء ، ينظر يمينا وشمالا ، فسلم عليه ملك الشمس ، وقال : يا
إدريس هذا ملك الموت فسلم عليه فقال ملك الموت : سبحان الله ! ولأي معنى رفعته هنا ؟ قال : رفعته لأريه الجنة . قال : فإن الله تعالى أمرني أن أقبض روح
إدريس في السماء الرابعة . قلت : يا رب وأين
إدريس من السماء الرابعة ، فنزلت فإذا هو معك ؛ فقبض روحه فرفعها إلى الجنة ، ودفنت الملائكة جثته في السماء الرابعة ، فذلك قوله تعالى :
ورفعناه مكانا عليا قال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : كان يرفع
لإدريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لأهل الأرض في زمانه ، فعجب منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت ، فاستأذن ربه في زيارته فأذن له ، فأتاه في صورة آدمي ، وكان
إدريس - عليه السلام - يصوم النهار ؛ فلما كان وقت
[ ص: 44 ] إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل . ففعل به ذلك ثلاث ليال فأنكره
إدريس ؛ وقال له : من أنت ! قال أنا ملك الموت ؛ استأذنت ربي أن أصحبك فأذن لي ؛ فقال : إن لي إليك حاجة . قال : وما هي ؟ قال : أن تقبض روحي . فأوحى الله تعالى إليه أن اقبض روحه ؛ فقبضه ورده إليه بعد ساعة ، وقال له ملك الموت : ما الفائدة في قبض روحك ؟ قال : لأذوق كرب الموت فأكون له أشد استعدادا . ثم قال له
إدريس بعد ساعة : إن لي إليك حاجة أخرى . قال : وما هي ؟ قال أن ترفعني إلى السماء فأنظر إلى الجنة والنار ؛ فأذن الله تعالى له في رفعه إلى السماوات ، فرأى النار فصعق ، فلما أفاق قال أرني الجنة ؛ فأدخله الجنة ، ثم قال له ملك الموت : اخرج لتعود إلى مقرك . فتعلق بشجرة وقال : لا أخرج منها . فبعث الله تعالى بينهما ملكا حكما ، فقال ما لك لا تخرج ؟ قال : لأن الله تعالى قال
كل نفس ذائقة الموت وأنا ذقته ، وقال :
وإن منكم إلا واردها وقد وردتها ؛ وقال :
وما هم منها بمخرجين فكيف أخرج ؟ قال الله تبارك وتعالى لملك الموت : ( بإذني دخل الجنة وبأمري يخرج ) فهو حي هنالك فذلك قوله
ورفعناه مكانا عليا قال
النحاس : قول
إدريس وما هم منها بمخرجين يجوز أن يكون الله أعلم هذا
إدريس ، ثم نزل القرآن به . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه :
فإدريس تارة يرتع في الجنة ، وتارة يعبد الله تعالى مع الملائكة في السماء .