قوله : اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : اذهبا قال في أول الآية :
اذهب أنت وأخوك بآياتي وقال هنا اذهبا فقيل : أمر الله تعالى
موسى وهارون في هذه الآية بالنفوذ إلى دعوة
فرعون ، وخاطب أولا
موسى وحده تشريفا له ؛ ثم كرر للتأكيد . وقيل بين بهذا أنه لا يكفي ذهاب أحدهما . وقيل : الأول أمر بالذهاب إلى كل الناس ، والثاني بالذهاب إلى
فرعون .
الثانية : في قوله تعالى :
فقولا له قولا لينا دليل على جواز
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة ، وضمنت له العصمة ، ألا تراه قال :
فقولا له قولا لينا وقال :
لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فكيف بنا فنحن أولى بذلك . وحينئذ يحصل الآمر والناهي على مرغوبه ، ويظفر بمطلوبه ؛ وهذا واضح .
الثالثة : واختلف الناس في معنى قوله : لينا فقالت فرقة منهم
الكلبي وعكرمة : معناه كنياه ؛ وقاله
ابن عباس ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . ثم قيل : وكنيته
أبو العباس . وقيل :
أبو الوليد . وقيل :
أبو مرة ؛ فعلى هذا القول تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف وطمع بإسلامه . وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه ، لأن الطمع ليس بحقيقة توجب عملا . وقد قال - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=832121إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ولم يقل وإن طمعتم في إسلامه ، ومن الإكرام دعاؤه بالكنية . وقد قال - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=90لصفوان بن أمية : انزل
أبا وهب فكناه . وقال
لسعد : ألم تسمع ما يقول
أبو حباب يعني عبد الله بن أبي . وروي في الإسرائيليات أن
موسى - عليه السلام - قام على باب
فرعون [ ص: 119 ] سنة ، لا يجد رسولا يبلغ كلاما حتى خرج . فجرى له ما قضى الله من ذلك ، وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين ، وربك أعلم بالمهتدين . وقيل قال له
موسى تؤمن بما جئت به ، وتعبد رب العالمين ؛ على أن لك شبابا لا يهرم إلى الموت ، وملكا لا ينزع منك إلى الموت ، وينسأ في أجلك أربعمائة سنة ، فإذا مت دخلت الجنة . فهذا القول اللين . وقال
ابن مسعود القول اللين
قوله تعالى : فقل هل لك إلى أن تزكى .
وأهديك إلى ربك فتخشى . وقد قيل : إن القول اللين قول
موسى : يا
فرعون إنا رسولا ربك رب العالمين . فسماه بهذا الاسم لأنه أحب إليه مما سواه مما قيل له ، كما يسمى عندنا الملك ونحوه .
قلت : القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه ؛ يقال : لان الشيء يلين لينا ؛ وشيء لين ولين مخفف منه ؛ والجمع أليناء . فإذا كان
موسى أمر بأن يقول
لفرعون قولا لينا ، فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه ، وأمره بالمعروف في كلامه . وقد قال تعالى
وقولوا للناس حسنا . على ما تقدم في ( البقرة ) بيانه والحمد لله .
الرابعة
قوله تعالى : لعله يتذكر أو يخشى معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين :
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وغيره . وقد تقدم في أول ( البقرة ) قال
الزجاج : ( لعل ) لفظة طمع وترج فخاطبهم بما يعقلون . وقيل : ( لعل ) هاهنا بمعنى الاستفهام ، والمعنى فانظر هل يتذكر . وقيل : هل بمعنى كي . وقيل : هو إخبار من الله تعالى عن قول
هارون لموسى لعله يتذكر أو يخشى ؛ قاله
الحسن . وقيل : إن
لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع . وقد تذكر
فرعون حين أدركه الغرق وخشي فقال :
آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله
أبو بكر الوراق وغيره وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فكيف رفقك بمن يقول أنت الإله ؟ ! . وقد قيل : إن
فرعون ركن إلى قول
موسى لما دعاه ، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان ، فشاور
هامان فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا ، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا . وقال له : أنا أردك شابا فخضب لحيته بالسواد فهو أول من خضب .