قوله تعالى :
ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قوله تعالى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي قرأ
الأعمش باختلاف عنه ( فنسي ) بإسكان الياء وله معنيان أحدهما : ترك ؛ أي ترك الأمر والعهد ؛ وهذا قول
مجاهد وأكثر المفسرين ومنه
نسوا الله فنسيهم . وثانيهما : قال
ابن عباس ( نسي ) هنا من السهو والنسيان ، وإنما أخذ الإنسان منه لأنه عهد إليه فنسي . قال
ابن زيد نسي ما عهد الله إليه في ذلك ، ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس . وعلى هذا القول يحتمل أن يكون
آدم - عليه السلام - في ذلك الوقت مأخوذا بالنسيان ، وإن كان النسيان عنا اليوم مرفوعا . ومعنى
من قبل أي من قبل أن يأكل من الشجرة ؛ لأنه نهي عنها . والمراد تسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ أي طاعة بني
آدم الشيطان أمر قديم ؛ أي إن نقض هؤلاء العهد فإن
آدم أيضا عهدنا إليه فنسي ؛ حكاه
القشيري وكذلك
الطبري . أي وإن يعرض يا
محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ، ويخالفوا رسلي ، ويطيعوا إبليس فقدما فعل ذلك أبوهم
آدم . قال
ابن عطية : وهذا التأويل ضعيف ، وذلك كون
آدم مثالا للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء
وآدم إنما عصى بتأويل ، ففي هذا غضاضة عليه - صلى الله عليه وسلم - ؛ وإنما الظاهر في الآية إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله ، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - ألا يعجل بالقرآن ، مثل له بنبي قبله عهد إليه فنسي فعوقب ؛ ليكون أشد في التحذير ، وأبلغ في العهد إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ والعهد هاهنا في معنى الوصية ؛ ( ونسي ) معناه ترك ؛ ونسيان الذهول لا يمكن هنا ؛ لأنه لا يتعلق بالناسي عقاب . والعزم المضي على المعتقد في أي شيء كان ؛
وآدم - عليه السلام - قد كان يعتقد ألا يأكل من الشجرة لكن لما وسوس إليه
[ ص: 164 ] إبليس لم يعزم على معتقده . والشيء الذي عهد إلى
آدم هو ألا يأكل من الشجرة ، وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له .
واختلف في معنى قوله :
ولم نجد له عزما فقال
ابن عباس وقتادة : لم نجد له صبرا عن أكل الشجرة ، ومواظبة على التزام الأمر . قال
النحاس وكذلك هو في اللغة ؛ يقال : لفلان عزم أي صبر وثبات على التحفظ من المعاصي حتى يسلم منها ، ومنه
فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل . وعن
ابن عباس أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=16574وعطية العوفي : حفظا لما أمر به ؛ أي لم يتحفظ مما نهيته حتى نسي وذهب عن علم ذلك بترك الاستدلال ؛ وذلك أن إبليس قال له : إن أكلتها خلدت في الجنة يعني عين تلك الشجرة ، فلم يطعه فدعاه إلى نظير تلك الشجرة مما دخل في عموم النهي وكان يجب أن يستدل عليه فلم يفعل ، وظن أنها لم تدخل في النهي فأكلها تأويلا ، ولا يكون ناسيا للشيء من يعلم أنه معصية . وقال
ابن زيد : عزما محافظة على أمر الله . وقال
الضحاك : عزيمة أمر .
ابن كيسان : إصرارا ولا إضمارا للعود إلى الذنب . قال
القشيري : والأول أقرب إلى تأويل الكلام ؛ ولهذا قال قوم :
آدم لم يكن من أولي العزم من الرسل ؛ لأن الله تعالى قال :
ولم نجد له عزما . وقال المعظم : كل الرسل أولو العزم ، وفي الخبر ( ما من نبي إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ما خلا
يحيى بن زكريا ) فلو خرج
آدم بسبب خطيئته من جملة أولي العزم لخرج جميع الأنبياء سوى
يحيى . وقد قال
أبو أمامة : لو أن أحلام بني
آدم جمعت منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة ، ووضعت في كفة ميزان ، ووضع حلم
آدم في كفة أخرى لرجحهم ؛ وقد قال الله تبارك وتعالى :
ولم نجد له عزما .