قوله :
وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون
قوله تعالى :
وتالله لأكيدن أصنامكم أخبر أنه لم يكتف بالمحاجة باللسان بل كسر أصنامهم فعل واثق بالله تعالى ، موطن نفسه على مقاساة المكروه في الذب عن الدين . والتاء في تالله تختص في القسم باسم الله وحده ، والواو تختص بكل مظهر ، والباء بكل مضمر ومظهر . قال الشاعر : [ هو
مالك بن خالد الخناعي الهذلي ] :
تالله يبقى على الأيام ذو حيد بمشمخر به الظيان والآس
[ ص: 205 ] وقال
ابن عباس : أي وحرمة الله لأكيدن أصنامكم ، أي لأمكرن بها . والكيد المكر . كاده يكيده كيدا ومكيدة ، وكذلك المكايدة ؛ وربما سمي الحرب كيدا ؛ يقال : غزا فلان فلم يلق كيدا ، وكل شيء تعالجه فأنت تكيده .
بعد أن تولوا مدبرين أي منطلقين ذاهبين . وكان لهم في كل سنة عيد يجتمعون فيه ، فقالوا
لإبراهيم : لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا - روي ذلك عن
ابن مسعود على ما يأتي بيانه في ( والصافات ) - فقال
إبراهيم في نفسه :
وتالله لأكيدن أصنامكم . قال
مجاهد وقتادة : إنما قال ذلك
إبراهيم في سر من قومه ، ولم يسمعه إلا رجل . واحد وهو الذي أفشاه عليه والواحد يخبر عنه بخبر الجمع إذا كان ما أخبر به مما يرضى به غيره ومثله
يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . وقيل : إنما قاله بعد خروج القوم ، ولم يبق منهم إلا الضعفاء فهم الذين سمعوه . وكان
إبراهيم احتال في التخلف عنهم بقوله : إني سقيم أي ضعيف عن الحركة .
قوله تعالى : فجعلهم جذاذا أي فتاتا . والجذ الكسر والقطع ؛ جذذت الشيء كسرته وقطعته . والجذاذ والجذاذ ما كسر منه ، والضم أفصح من كسره . قاله
الجوهري .
الكسائي : ويقال لحجارة الذهب جذاذ ؛ لأنها تكسر . وقرأ
الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وابن محيصن ( جذاذا ) بكسر الجيم ؛ أي كسرا وقطعا جمع جذيذ وهو الهشيم ، مثل خفيف وخفاف وظريف وظراف . قال الشاعر : [
مالك الهذلي ] :
جذذ الأصنام في محرابها ذاك في الله العلي المقتدر
الباقون بالضم ؛ واختاره
أبو عبيد وأبو حاتم . الحطام والرفات الواحدة جذاذة . وهذا هو الكيد الذي أقسم به ليفعلنه بها . وقال :
فجعلهم ؛ لأن القوم اعتقدوا في أصنامهم الإلهية . وقرأ
ابن عباس وأبو نهيك وأبو السمال جذاذا بفتح الجيم ؛ والفتح والكسر لغتان كالحصاد والحصاد .
أبو حاتم : الفتح والكسر والضم بمعنى ؛ حكاه قطرب
إلا كبيرا لهم أي عظيم الآلهة في الخلق فإنه لم يكسره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ومجاهد : ترك الصنم الأكبر وعلق الفأس الذي كسر به الأصنام في عنقه ؛ ليحتج به عليهم . لعلهم إليه أي إلى
إبراهيم ودينه يرجعون إذا قامت الحجة عليهم . وقيل : لعلهم إليه أي إلى الصنم الأكبر يرجعون في تكسيرها .