قوله تعالى :
وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
وعلمناه صنعة لبوس لكم يعني اتخاذ الدروع بإلانة
[ ص: 227 ] الحديد له ، واللبوس عند العرب السلاح كله ؛ درعا كان أو جوشنا أو سيفا أو رمحا . قال
الهذلي يصف رمحا :
ومعي لبوس للبئيس كأنه روق بجبهة ذي نعاج مجفل
واللبوس كل ما يلبس ، وأنشد
ابن السكيت :
البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها
وأراد الله تعالى هنا الدرع ، وهو بمعنى الملبوس نحو الركوب والحلوب . قال
قتادة : أول من صنع الدروع
داود . وإنما كانت صفائح ، فهو أول من سردها وحلقها .
الثانية : قوله تعالى : ( ليحصنكم ) ليحرزكم . من بأسكم أي من حربكم . وقيل : من السيف والسهم والرمح ، أي من آلة بأسكم فحذف المضاف .
ابن عباس : من بأسكم من سلاحكم .
الضحاك : من حرب أعدائكم . والمعنى واحد . وقرأ
الحسن وأبو جعفر وابن عامر وحفص وروح
لتحصنكم بالتاء ردا على الصفة . وقيل : على اللبوس والمنعة التي هي الدروع . وقرأ
شيبة وأبو بكر والمفضل ورويس وابن أبي إسحاق ( لنحصنكم ) بالنون لقوله : وعلمناه . وقرأ الباقون بالياء جعلوا الفعل للبوس ، أو يكون المعنى ليحصنكم الله .
فهل أنتم شاكرون أي على تيسير نعمة الدروع لكم . وقيل :
فهل أنتم شاكرون بأن تطيعوا رسولي .
الثالثة : هذه الآية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب ، وهو قول أهل العقول والألباب ، لا قول الجهلة الأغبياء القائلين بأن ذلك إنما شرع للضعفاء ، فالسبب سنة الله في خلقه فمن طعن في ذلك فقد طعن في الكتاب والسنة ، ونسب من ذكرنا إلى الضعف وعدم المنة . وقد أخبر الله تعالى عن نبيه
داود - عليه السلام - أنه كان يصنع الدروع ، وكان أيضا يصنع الخوص ، وكان يأكل من عمل يده ، وكان
آدم حراثا ،
ونوح نجارا ،
ولقمان خياطا ، وطالوت دباغا . وقيل : سقاء ؛ فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس ، ويدفع بها عن نفسه الضرر والبأس . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=863932إن الله يحب المؤمن المحترف الضعيف المتعفف ويبغض السائل الملحف . وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة ( الفرقان ) وقد تقدم في غير
[ ص: 228 ] ما آية ، وفيه كفاية والحمد لله .