قوله تعالى :
إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير قوله تعالى : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار لما ذكر أحد الخصمين وهو الكافر ذكر حال الخصم الآخر وهو المؤمن .
يحلون فيها من أساور من ذهب ( من ) صلة . والأساور جمع أسورة ، وأسورة واحدها سوار ؛ وفيه ثلاث لغات : ضم السين وكسرها وإسوار . قال المفسرون : لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور والتيجان جعل الله ذلك لأهل الجنة ، وليس أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة : سوار من ذهب ، وسوار من فضة ، وسوار من لؤلؤ . قال هنا وفي فاطر :
من أساور من ذهب ولؤلؤا وقال في سورة الإنسان :
وحلوا أساور من فضة . وفي صحيح
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة سمعت خليلي - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500245تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء . وقيل :
تحلى النساء بالذهب والرجال بالفضة . وفيه نظر ، والقرآن يرده . ( ولؤلؤا ) قرأ
نافع ، وابن القعقاع ، وشيبة ، وعاصم هنا وفي سورة الملائكة ( لؤلؤا ) بالنصب ، على معنى
[ ص: 28 ] ويحلون لؤلؤا ؛ واستدلوا بأنها مكتوبة في جميع المصاحف هنا بألف . وكذلك قرأ
يعقوب ، والجحدري ، وعيسى بن عمر بالنصب هنا والخفض في ( فاطر ) اتباعا للمصحف ، ولأنها كتبت هاهنا بألف وهناك بغير ألف . الباقون بالخفض في الموضعين . وكان
أبو بكر لا يهمز ( اللؤلؤ ) في كل القرآن ؛ وهو ما يستخرج من البحر من جوف الصدف . قال
القشيري : والمراد ترصيع السوار باللؤلؤ ؛ ولا يبعد أن يكون في الجنة سوار من لؤلؤ مصمت . قلت : وهو ظاهر القرآن بل نصه . وقال
ابن الأنباري : من قرأ ( ولؤلؤ ) بالخفض وقف عليه ولم يقف على الذهب . وقال
السجستاني : من نصب اللؤلؤ فالوقف الكافي
من ذهب ؛ لأن المعنى ويحلون لؤلؤا . قال
ابن الأنباري : وليس كما قال ، لأنا إذا خفضنا ( اللؤلؤ ) نسقناه على لفظ الأساور ، وإذا نصبناه نسقناه على تأويل الأساور ، وكأنا قلنا : يحلون فيها أساور ولؤلؤا ، فهو في النصب بمنزلته في الخفض ، فلا معنى لقطعه من الأول .
قوله تعالى :
ولباسهم فيها حرير أي وجميع ما يلبسونه من فرشهم ولباسهم وستورهم حرير ، وهو أعلى مما في الدنيا بكثير . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=863973من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة ، ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب فيها في الآخرة - ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لباس أهل الجنة ، وشراب أهل الجنة ، وآنية أهل الجنة . فإن قيل : قد سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين هذه الأشياء الثلاثة وأنه يحرمها في الآخرة ؛ فهل يحرمها إذا دخل الجنة ؟ قلنا : نعم ! إذا لم يتب منها حرمها في الآخرة ، وإن دخل الجنة ؛ لاستعجاله ما حرم الله عليه في الدنيا . لا يقال : إنما يحرم ذلك في الوقت الذي يعذب في النار أو بطول مقامه في الموقف ، فأما إذا دخل الجنة فلا ؛ لأن حرمان شيء من لذات الجنة لمن كان في الجنة نوع عقوبة ، ومؤاخذة ، والجنة ليست بدار عقوبة ، ولا مؤاخذة فيها بوجه . فإنا نقول : ما ذكرتموه محتمل ، لولا ما جاء ما يدفع هذا الاحتمال ويرده من ظاهر الحديث الذي ذكرناه . وما رواه الأئمة من حديث
ابن عمر ، عن
[ ص: 29 ] النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500246من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة . والأصل التمسك بالظاهر حتى يرد نص يدفعه ، بل قد ورد نص على صحة ما ذكرناه ، وهو ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا هشام ، عن
قتادة ، عن
داود السراج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=863975من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو . وهذا نص صريح ، وإسناده صحيح . فإن كان وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو الغاية في البيان ، وإن كان من كلام الراوي على ما ذكر ، فهو أعلى بالمقال ، وأقعد بالحال ، ومثله لا يقال بالرأي ، والله أعلم . وكذلك من شرب الخمر ولم يتب و من استعمل آنية الذهب والفضة وكما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه ، وليس ذلك بعقوبة كذلك لا يشتهي خمر الجنة ولا حريرها ولا يكون ذلك عقوبة . وقد ذكرنا هذا كله في كتاب التذكرة مستوفى ، والحمد لله ، وذكرنا فيها أن
شجر الجنة وثمارها يتفتق عن ثياب الجنة ، وقد ذكرناه في سورة الكهف .