قوله تعالى :
لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين [ ص: 62 ] فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
لن ينال الله لحومها قال
ابن عباس : كان أهل الجاهلية يضرجون البيت بدماء البدن ، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فنزلت الآية . والنيل لا يتعلق بالبارئ تعالى ، ولكنه عبر عنه تعبيرا مجازيا عن القبول ، المعنى : لن يصل إليه . وقال
ابن عباس : لن يصعد إليه .
ابن عيسى : لن يقبل لحومها ولا دماءها ، ولكن يصل إليه التقوى منكم ؛ أي ما أريد به وجهه ، فذلك الذي يقبله ويرفع إليه ويسمعه ويثيب عليه ؛ ومنه الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500280إنما الأعمال بالنيات . والقراءة ( لن ينال الله ) و ( يناله ) بالياء فيهما . وعن
يعقوب بالتاء فيهما ، نظرا إلى اللحوم .
الثانية : قوله تعالى :
كذلك سخرها لكم منه سبحانه علينا بتذليلها وتمكيننا من تصريفها وهي أعظم منا أبدانا وأقوى منا أعضاء ، ذلك ليعلم العبد أن الأمور ليست على ما تظهر إلى العبد من التدبير ، وإنما هي بحسب ما يريدها العزيز القدير ، فيغلب الصغير الكبير ليعلم الخلق أن الغالب هو الله الواحد القهار فوق عباده .
الثالثة :
قوله تعالى : لتكبروا الله على ما هداكم ذكر سبحانه ذكر اسمه عليها من الآية قبلها فقال عز من قائل :
فاذكروا اسم الله عليها ، وذكر هنا التكبير . وكان
ابن عمر - رضي الله عنهما - يجمع بينهما إذا نحر هديه فيقول : باسم الله والله أكبر ؛ وهذا من فقهه - رضي الله عنه - . وفي الصحيح عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500281ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين . قال : ورأيته يذبحها بيده ، ورأيته واضعا قدمه على صفاحهما ، وسمى وكبر .
وقد اختلف العلماء في هذا ؛ فقال
أبو ثور :
التسمية متعينة كالتكبير في الصلاة ؛ وكافة العلماء على استحباب ذلك . فلو قال ذكرا آخر فيه اسم من أسماء الله تعالى وأراد به التسمية جاز . وكذلك لو قال : الله أكبر فقط ، أو لا إله إلا الله ؛ قال
ابن حبيب . فلو لم يرد التسمية لم يجز عن التسمية ولا تؤكل ؛ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ومحمد بن الحسن . وكره كافة العلماء من أصحابنا
[ ص: 63 ] وغيرهم
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند التسمية في الذبح أو ذكره ، وقالوا : لا يذكر هنا إلا الله وحده . وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الذبح .
الرابعة : ذهب الجمهور إلى أن
قول المضحي : اللهم تقبل مني ؛ جائز . وكره ذلك
أبو حنيفة ؛ والحجة عليه ما رواه الصحيح عن
عائشة - رضي الله عنها - ، وفيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500282ثم قال باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به . واستحب بعضهم أن يقول ذلك بنص الآية
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . وكره
مالك قولهم : اللهم منك وإليك ، وقال : هذه بدعة . وأجاز ذلك
ابن حبيب من أصحابنا
والحسن ، والحجة لهما ما رواه
أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الذبح كبشين أقرنين موجوءين أملحين ، فلما وجههما قال :
إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا - وقرأ إلى قوله :
وأنا أول المسلمين - اللهم منك ولك عن
محمد وأمته باسم الله والله أكبر ، ثم ذبح . فلعل
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا لم يبلغه هذا الخبر ، أو لم يصح عنده ، أو رأى العمل يخالفه . وعلى هذا يدل قوله : إنه بدعة . والله أعلم .
الخامسة : قوله تعالى :
وبشر المحسنين روي أنها نزلت في الخلفاء الأربعة ؛ حسبما تقدم في الآية التي قبلها . فأما ظاهر اللفظ فيقتضي العموم في كل محسن .