لا التفات لما وضعه الواضعون ، واختلقه المختلقون ، من الأحاديث الكاذبة ، والأخبار الباطلة ، في
فضل سور القرآن ، وغير ذلك من فضائل الأعمال ; قد ارتكبها جماعة كثيرة ، اختلفت أغراضهم ومقاصدهم في ارتكابها ; فمن قوم من الزنادقة مثل :
المغيرة بن سعيد الكوفي ،
ومحمد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة ، وغيرهما ، وضعوا أحاديث وحدثوا بها ليوقعوا بذلك الشك في قلوب الناس ; فمما رواه
محمد بن سعيد عن
أنس بن مالك في قوله - صلى الله عليه وسلم - :
أنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي إلا ما شاء الله ، فزاد هذا الاستثناء لما كان يدعو إليه من الإلحاد والزندقة .
قلت : وقد ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في كتاب ( التمهيد ) ولم يتكلم عليه ; بل تأول الاستثناء على الرؤيا ; فالله أعلم .
ومنهم قوم وضعوا الحديث لهوى يدعون الناس إليه ; قال شيخ من شيوخ
الخوارج بعد أن تاب : إن هذه الأحاديث دين ، فانظروا ممن تأخذون دينكم ، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا .
ومنهم جماعة وضعوا الحديث حسبة كما زعموا ، يدعون الناس إلى فضائل الأعمال ، كما روي عن
أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي ،
ومحمد بن عكاشة الكرماني ،
وأحمد بن عبد الله الجويباري ، وغيرهم . قيل
لأبي عصمة : من أين لك عن
عكرمة عن
ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة ؟ فقال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه
أبي حنيفة ومغازي
محمد بن إسحاق ; فوضعت هذا الحديث حسبة . قال
أبو عمرو عثمان بن الصلاح في كتاب ( علوم الحديث ) له : وهكذا الحديث الطويل الذي يروى عن
أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل القرآن سورة سورة ; وقد بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه ، وأن أثر الوضع عليه لبين . وقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم .
ومنهم قوم من السؤال والمكدين يقفون في الأسواق والمساجد ، فيضعون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث بأسانيد صحاح قد حفظوها ، فيذكرون الموضوعات بتلك الأسانيد ; قال
جعفر بن محمد الطيالسي : صلى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين ، في مسجد
الرصافة ، فقام بين أيديهما قاص فقال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين قالا أنبأنا
عبد الرزاق قال أنبأنا
معمر عن
قتادة عن
أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
من قال لا إله إلا الله يخلق من كل كلمة منها طائر منقاره من ذهب وريشه مرجان . وأخذ في قصة نحو من عشرين ورقة ; فجعل
أحمد ينظر إلى
[ ص: 78 ] يحيى ويحيى ينظر إلى
أحمد ; فقال : أنت حدثته بهذا ؟ فقال : والله ما سمعت به إلا هذه الساعة ; قال : فسكتا جميعا حتى فرغ من قصصه ، فقال له
يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال :
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين ; فقال : أنا
ابن معين ، وهذا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن كان ولا بد من الكذب فعلى غيرنا ; فقال له : أنت
يحيى بن معين ؟ قال : نعم ، قال : لم أزل أسمع أن
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين أحمق ، وما علمته إلا هذه الساعة ; فقال له
يحيى : وكيف علمت أني أحمق ؟ قال : كأنه ليس في الدنيا
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل غيركما ، كتبت عن سبعة عشر
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل غير هذا . قال : فوضع
أحمد كمه على وجهه وقال : دعه يقوم ; فقام كالمستهزئ بهما . فهؤلاء الطوائف كذبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن يجري مجراهم . يذكر أن
الرشيد كان يعجبه الحمام واللهو به ; فأهدي إليه حمام وعنده
nindex.php?page=showalam&ids=11828أبو البختري القاضي فقال : روى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830053لا سبق إلا في خف أو حافر أو جناح فزاد : أو جناح ، وهي لفظة وضعها
للرشيد ، فأعطاه جائزة سنية ; فلما خرج قال
الرشيد : والله لقد علمت أنه كذاب ، وأمر بالحمام أن يذبح ; فقيل له : وما ذنب الحمام ؟ قال : من أجله كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; فترك العلماء حديثه لذلك ، ولغيره من موضوعاته ، فلا يكتب العلماء حديثه بحال .
قلت : فلو اقتصر الناس على ما ثبت في الصحاح والمسانيد وغيرهما من المصنفات التي تداولها العلماء ، ورواها الأئمة الفقهاء ، لكان لهم في ذلك غنية ، وخرجوا عن تحذيره - صلى الله عليه وسلم - حيث قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830054اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار الحديث . فتخويفه - صلى الله عليه وسلم - أمته بالنار على الكذب ، دليل على أنه كان يعلم أنه سيكذب عليه . فحذار مما وضعه أعداء الدين ، وزنادقة المسلمين ، في باب الترغيب والترهيب وغير ذلك ; وأعظمهم ضررا أقوام من المنسوبين إلى الزهد ، وضعوا الحديث حسبة فيما زعموا ، فتقبل الناس موضوعاتهم ، ثقة منهم بهم ، وركونا إليهم ، فضلوا وأضلوا .