قوله تعالى : إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : المحصنات تقدم في ( النساء ) . وأجمع العلماء على أن حكم المحصنين في القذف كحكم المحصنات قياسا واستدلالا ، وقد بيناه أول السورة والحمد لله . واختلف فيمن المراد بهذه الآية ؛ فقال
سعيد بن جبير : هي في رماة
عائشة رضوان الله عليها خاصة . وقال قوم : هي في
عائشة وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ قاله
ابن عباس ، والضحاك ، وغيرهما . ولا تنفع التوبة . ومن قذف غيرهن من المحصنات فقد جعل الله له توبة ؛ لأنه قال :
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء إلى قوله
إلا الذين تابوا فجعل الله لهؤلاء توبة ، ولم يجعل لأولئك توبة ؛ قاله
الضحاك . وقيل : هذا الوعيد لمن أصر على القذف ولم يتب . وقيل : نزلت في
عائشة ، إلا أنه يراد بها كل من اتصف بهذه الصفة . وقيل : إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى ؛ ويكون التقدير : إن الذين يرمون الأنفس المحصنات ؛ فدخل في هذا المذكر والمؤنث ؛ واختاره
النحاس . وقيل : نزلت في مشركي
مكة ؛ لأنهم يقولون للمرأة إذا هاجرت إنما خرجت لتفجر .
الثانية :
لعنوا في الدنيا والآخرة قال العلماء : إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة الإبعاد ، وضرب الحد ، واستيحاش المؤمنين منهم ، وهجرهم لهم ، وزوالهم عن رتبة العدالة ، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين . وعلى قول من قال : هي خاصة
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب
عبد الله بن أبي وأشباهه . وعلى قول من قال : نزلت في مشركي
مكة فلا كلام ، فإنهم مبعدون ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم ؛ ومن أسلم فالإسلام
[ ص: 194 ] يجب ما قبله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12940أبو جعفر النحاس : من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى ؛ ويكون التقدير : إن الذين يرمون الأنفس المحصنات ، فدخل في هذا المذكر والمؤنث ، وكذا في الذين يرمون ؛ إلا أنه غلب المذكر على المؤنث .