قوله تعالى :
لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم قوله تعالى : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا يريد : يصيح من بعيد : يا أبا القاسم ! بل عظموه كما قال في الحجرات :
إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله الآية . وقال
سعيد بن جبير ، ومجاهد : المعنى قولوا يا رسول الله ، في رفق ولين ، ولا تقولوا يا
محمد بتجهم . وقال
قتادة : أمرهم أن يشرفوه ويفخموه .
ابن عباس : لا تتعرضوا
[ ص: 299 ] لدعاء الرسول عليكم بإسخاطه فإن دعوته موجبة .
قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا التسلل والانسلال : الخروج واللواذ من الملاوذة ، وهي أن تستتر بشيء مخافة من يراك ؛ فكان المنافقون يتسللون عن صلاة الجمعة . لواذا مصدر في موضع الحال ؛ أي متلاوذين ، أي يلوذ بعضهم ببعض ، ينضم إليه استتارا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه لم يكن على المنافقين أثقل من يوم الجمعة وحضور الخطبة ؛ حكاه
النقاش ، وقد مضى القول فيه . وقيل : كانوا يتسللون في الجهاد رجوعا عنه يلوذ بعضهم ببعض . وقال
الحسن : لواذا فرارا من الجهاد ؛ ومنه قول
حسان :
وقريش تجول منا لواذا لم تحافظ وخف منها الحلوم
وصحت واوها لتحركها في لاوذ . يقال : لاوذ يلاوذ ملاوذة ولواذا . ولاذ يلوذ لوذا ولياذا ؛ انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها اتباعا للاذ في الاعتلال ؛ فإذا كان مصدر فاعل لم يعل ؛ لأن فاعل لا يجوز أن يعل .
قوله تعالى : فليحذر الذين يخالفون عن أمره بهذه الآية احتج الفقهاء على أن الأمر على الوجوب . ووجهها أن الله تبارك وتعالى قد حذر من مخالفة أمره ، وتوعد بالعقاب عليها بقوله :
أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم فتحرم مخالفته ، فيجب امتثال أمره . والفتنة هنا القتل ؛ قاله
ابن عباس . عطاء : الزلازل والأهوال .
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد : سلطان جائر يسلط عليهم . وقيل : الطبع على القلوب بشؤم مخالفة الرسول . والضمير في ( أمره ) قيل هو عائد إلى أمر الله تعالى ؛ قاله
يحيى بن سلام . وقيل : إلى أمر رسول - عليه السلام - ؛ قاله
قتادة . ومعنى
يخالفون عن أمره أي يعرضون عن أمره . وقال
أبو عبيدة ، nindex.php?page=showalam&ids=13674والأخفش : ( عن ) في هذا الموضع زائدة . وقال
الخليل ، nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه : ليست بزائدة ؛ والمعنى : يخالفون بعد أمره ؛ كما قال [
امرؤ القيس ] :
[ وتضحي فتيت المسك فوق فراشها ] [ نئوم الضحى ] لم تنتطق عن تفضل
ومنه قوله :
ففسق عن أمر ربه أي بعد أمر ربه . و ( أن ) في موضع نصب ب ( يحذر ) . ولا يجوز عند أكثر النحويين حذر زيدا ، وهو في ( أن ) جائز ؛ لأن حروف الخفض تحذف معها .