قوله تعالى :
وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا .
فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى :
وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله أي خلق من النطفة إنسانا . فجعله أي جعل الإنسان
نسبا وصهرا . وقيل :
من الماء إشارة إلى أصل الخلقة
[ ص: 58 ] في أن كل حي مخلوق من الماء . وفي هذه الآية تعديد النعمة على الناس في ، إيجادهم بعد العدم ، والتنبيه على العبرة في ذلك .
الثانية : قوله تعالى :
نسبا وصهرا النسب والصهر معنيان يعمان كل قربى تكون بين آدميين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : النسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر والأنثى على وجه الشرع ، فإن كان بمعصية كان خلقا مطلقا ولم يكن نسبا محققا ، ولذلك لم يدخل تحت قوله :
حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم بنته من الزنى ; لأنها ليست ببنت له في أصح القولين لعلمائنا وأصح القولين في الدين ، وإذا لم يكن نسب شرعا فلا صهر شرعا فلا يحرم الزنى بنت أم ولا أم بنت ، وما يحرم من الحلال لا يحرم من الحرام ; لأن الله امتن بالنسب والصهر على عباده ورفع قدرهما ، وعلق الأحكام في الحل والحرمة عليهما فلا يلحق الباطل بهما ولا يساويهما .
قلت : اختلف الفقهاء في
نكاح الرجل ابنته من زنى أو أخته أو بنت ابنه من زنى ; فحرم ذلك قوم ، منهم
ابن القاسم ، وهو قول
أبي حنيفة وأصحابه ، وأجاز ذلك آخرون ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12873عبد الملك بن الماجشون ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقد مضى هذا في ( النساء ) مجودا . قال
الفراء : النسب الذي لا يحل نكاحه ، والصهر الذي يحل نكاحه . وقاله
الزجاج : وهو قول
علي بن أبي طالب رضي الله عنه . واشتقاق الصهر من صهرت الشيء إذا خلطته ، فكل واحد من الصهرين قد خالط صاحبه ، فسميت المناكح صهرا لاختلاط الناس بها . وقيل : الصهر قرابة النكاح ; فقرابة الزوجة هم الأختان ، وقرابة الزوج هم الأحماء . والأصهار يقع عاما لذلك كله ، قاله
الأصمعي .
وقال
ابن الأعرابي : الأختان أبو المرأة وأخوها وعمها - كما قال
الأصمعي - والصهر زوج ابنة الرجل وأخوه وأبوه وعمه . وقال
محمد بن الحسن في رواية
أبي سليمان الجوزجاني : أختان الرجل أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته ، وكل ذات محرم منه ، وأصهاره كل ذي رحم محرم من زوجته . قال
النحاس : الأولى في هذا أن يكون القول في الأصهار ما قال
الأصمعي ، وأن يكون من قبلهما جميعا . يقال : صهرت الشيء أي خلطته ; فكل واحد منهما قد خلط صاحبه . والأولى في الأختان ما قال
محمد بن الحسن لجهتين : إحداهما الحديث المرفوع ، روى
محمد بن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17368يزيد بن عبد الله بن قسيط عن
محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832184أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي [ ص: 59 ] وأنت مني وأنا منك . فهذا على أن زوج البنت ختن . والجهة الأخرى أن اشتقاق الختن من ختنه إذا قطعه ; وكأن الزوج قد انقطع عن أهله ، وقطع زوجته عن أهلها . وقال
الضحاك : الصهر قرابة الرضاع . قال
ابن عطية : وذلك عندي وهم أوجبه أن ابن عباس قال :
حرم من النسب سبع ، ومن الصهر خمس . وفي رواية أخرى من الصهر سبع ; يريد قوله عز وجل :
حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت فهذا هو النسب . ثم يريد بالصهر قوله تعالى :
وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم إلى قوله :
وأن تجمعوا بين الأختين . ثم ذكر المحصنات . ومحمل هذا أن
ابن عباس أراد حرم من الصهر ما ذكر معه ، فقد أشار بما ذكر إلى عظمه وهو الصهر ، لا أن الرضاع صهر ، وإنما الرضاع عديل النسب يحرم منه ما يحرم من النسب بحكم الحديث المأثور فيه . ومن روى : وحرم من الصهر خمس ، أسقط من الآيتين
الجمع بين الأختين والمحصنات ; وهن ذوات الأزواج .
قلت :
فابن عطية جعل الرضاع مع ما تقدم نسبا ، وهو قول
الزجاج . قال
أبو إسحاق : النسب الذي ليس بصهر من قوله جل ثناؤه :
حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله
وأن تجمعوا بين الأختين والصهر من له التزويج . قال
ابن عطية : وحكى
الزهراوي قولا أن النسب من جهة البنين والصهر من جهة البنات .
قلت : وذكر هذا القول
النحاس ، وقال : لأن المصاهرة من جهتين تكون . وقال
ابن سيرين : نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم
وعلي رضي الله عنه ; لأنه جمعه معه نسب وصهر . قال
ابن عطية : فاجتماعهما وكادة حرمة إلى يوم القيامة .
وكان ربك قديرا على خلق ما يريده .