قوله تعالى :
إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون .
قوله تعالى : إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها يعني
مكة التي عظم الله حرمتها ; أي جعلها حرما آمنا ; لا يسفك فيها دم ، ولا يظلم فيها أحد ، ولا يصاد فيها صيد ، ولا يعضد فيها شجر ; على ما تقدم بيانه في غير موضع . وقرأ
ابن عباس : ( التي حرمها ) نعتا للبلدة وقراءة الجماعة ( الذي ) وهو في موضع نصب ، نعت ل ( رب ) ولو كان بالألف واللام لقلت : ( المحرمها ) فإن كانت نعتا للبلدة قلت ( المحرمها هو ) لا بد من إظهار المضمر مع الألف واللام ; لأن الفعل جرى على غير من هو له ; فإن قلت : الذي حرمها . لم تحتج أن تقول : هو .
وله كل شيء خلقا وملكا
وأمرت أن أكون من المسلمين أي من المنقادين لأمره ، الموحدين له
وأن أتلو القرآن أي وأمرت أن أتلو القرآن ، أي أقرأه قال
النحاس :
وأن أتلو نصب ب ( أن ) قال
الفراء : وفي إحدى القراءتين ( وأن اتل ) وزعم أنه في موضع جزم بالأمر فلذلك حذف منه الواو ، قال
النحاس : ولا نعرف أحدا قرأ هذه القراءة ، وهي مخالفة لجميع المصاحف .
قوله تعالى : وقل الحمد لله أي على نعمه وعلى ما هدانا
سيريكم آياته أي في أنفسكم وفي غيركم كما قال :
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم . ( فتعرفونها ) أي دلائل قدرته ووحدانيته في أنفسكم وفي السماوات وفي الأرض ; نظيره قوله تعالى :
وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون .
وما ربك بغافل عما تعملون [ ص: 228 ] قرأ
أهل المدينة وأهل الشام وحفص عن
عاصم بالتاء على الخطاب ; لقوله :
سيريكم آياته فتعرفونها فيكون الكلام على نسق واحد . الباقون بالياء على أن يرد إلى ما قبله ( فمن اهتدى ) فأخبر عن تلك الآية . كملت السورة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم .