قوله تعالى :
فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون .
[ ص: 292 ] قوله تعالى : فخسفنا به وبداره الأرض قال
مقاتل : لما أمر
موسى الأرض فابتلعته قالت
بنو إسرائيل : إنما أهلكه ليرث ماله ; لأنه كان ابن عمه ; أخي أبيه ، فخسف الله تعالى به وبداره الأرض وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام ، فأوحى الله إلى
موسى إني لا أعيد طاعة الأرض إلى أحد بعدك أبدا . يقال : خسف المكان يخسف خسوفا : ذهب في الأرض ، وخسف الله به الأرض خسفا أي غاب به فيها ومنه قوله تعالى :
فخسفنا به وبداره الأرض وخسف هو في الأرض وخسف به وخسوف القمر : كسوفه . قال
ثعلب : كسفت الشمس وخسف القمر ; هذا أجود الكلام . والخسف : النقصان ; يقال : رضي فلان بالخسف أي بالنقيصة .
فما كان له من فئة أي جماعة وعصابة
ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين لنفسه أي الممتنعين فيما نزل به من الخسف فيروى أن
قارون يسفل كل يوم بقدر قامة ، حتى إذا بلغ قعر الأرض السفلى نفخ
إسرافيل في الصور ; وقد تقدم ; والله أعلم .
قوله تعالى :
وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس أي صاروا يتندمون على ذلك التمني و
يقولون ويكأن الله ( وي ) حرف تندم . قال
النحاس : أحسن ما قيل في هذا قول
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه ويونس nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي أن القوم تنبهوا أو نبهوا ; فقالوا ( وي ) والمتندم من العرب يقول في خلال تندمه : وي . قال
الجوهري : ( وي ) كلمة تعجب ، ويقال : ويك ووي لعبد الله . وقد تدخل ( وي ) على ( كأن ) المخففة والمشددة ، تقول : ويكأن الله . قال
الخليل : هي مفصولة ; تقول : ( وي ) ثم تبتدئ فتقول : ( كأن ) . قال
الثعلبي : وقال
الفراء هي كلمة تقرير ; كقولك : أما ترى إلى صنع الله وإحسانه ; وذكر أن أعرابية قالت لزوجها : أين ابنك ويك ؟ فقال : وي كأنه وراء البيت ; أي أما ترينه وقال
ابن عباس والحسن : ( ويك ) كلمة ابتداء وتحقيق تقديره : إن الله يبسط الرزق وقيل : هو تنبيه بمنزلة ( ألا ) في قولك : ألا تفعل ، و ( أما ) في قولك : أما بعد . قال الشاعر :
سالتاني الطلاق إذ رأتاني قل مالي قد جئتماني بنكر وي كأن من يكن له نشب يحب
ب ومن يفتقر يعش عيش ضر
وقال
قطرب : إنما هو ( ويلك ) وأسقطت لامه وضمت الكاف التي هي للخطاب إلى ( وي ) قال
عنترة :
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
[ ص: 293 ] وأنكره
النحاس وغيره ، وقالوا : إن المعنى لا يصح عليه ; لأن القوم لم يخاطبوا أحدا فيقولوا له : ويك ، ولو كان كذلك لكان ( إنه ) بالكسر . وأيضا فإن حذف اللام من ( ويلك ) لا يجوز . وقال بعضهم : التقدير : ويلك اعلم أنه ; فأضمر ( اعلم )
ابن الأعرابي : ( ويكأن الله ) أي اعلم . وقيل : معناه ألم تر أن الله . وقال
القتبي : معناه رحمة لك ، بلغة
حمير وقال
الكسائي : ( وي ) فيه معنى التعجب ويروى عنه أيضا الوقف على ( وي ) وقال : كلمة تفجع . ومن قال : ( ويك ) فوقف على الكاف فمعناه : أعجب لأن الله يبسط الرزق وأعجب لأنه لا يفلح الكافرون . وينبغي أن تكون الكاف حرف خطاب لا اسما ; لأن ( وي ) ليست مما يضاف وإنما كتبت متصلة ; لأنها لما كثر استعمالها جعلت مع ما بعدها كشيء واحد .
لولا أن من الله علينا بالإيمان والرحمة وعصمنا من مثل ما كان عليه
قارون من البغي والبطر لخسف بنا وقرأ
الأعمش : ( لولا من الله علينا ) . وقرأ
حفص : لخسف بنا مسمى الفاعل الباقون : على ما لم يسم فاعله وهو اختيار
أبي عبيد وفي حرف
عبد الله ( لانخسف بنا ) كما تقول انطلق بنا . وكذلك قرأ
الأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بن مصرف . واختار قراءة الجماعة
أبو حاتم لوجهين : أحدهما قوله :
فخسفنا به وبداره الأرض والثاني قوله :
لولا أن من الله علينا فهو بأن يضاف إلى الله تعالى لقرب اسمه منه أولى
ويكأنه لا يفلح الكافرون عند الله .