قوله تعالى :
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين .
قوله تعالى :
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ذكر قصة
نوح تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم ; أي ابتلي النبيون قبلك بالكفار فصبروا وخص
نوحا بالذكر ; لأنه
أول رسول أرسل إلى الأرض وقد امتلأت كفرا على ما تقدم بيانه في ( هود ) وأنه لم
[ ص: 306 ] يلق نبي من قومه ما لقي
نوح على ما تقدم في ( هود ) عن
الحسن وروي عن
قتادة عن
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
أول نبي أرسل نوح قال
قتادة : وبعث من
الجزيرة . واختلف في مبلغ عمره . فقيل : مبلغ عمره ما ذكره الله تعالى في كتابه . قال
قتادة : لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة ، ودعاهم لثلاثمائة سنة ، ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة . وقال
ابن عباس : بعث
نوح لأربعين سنة ، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وعاش بعد الغرق ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا . وعنه أيضا : أنه بعث وهو ابن مائتين وخمسين سنة ، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين ، وعاش بعد الطوفان مائتي سنة . وقال
وهب :
عمر نوح ألفا وأربعمائة سنة . وقال
كعب الأحبار : لبث
نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وعاش بعد الطوفان سبعين عاما ، فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين عاما . وقال
عون بن أبي شداد : بعث
نوح وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة ، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين سنة ، فكان مبلغ عمره ألف سنة وستمائة سنة وخمسين سنة ونحوه .
عن
الحسن قال : لما أتى ملك الموت
نوحا ليقبض روحه قال : يا
نوح كم عشت في الدنيا ؟ قال : ثلاثمائة قبل أن أبعث وألف سنة إلا خمسين عاما في قومي ، وثلاثمائة سنة وخمسين سنة بعد الطوفان . قال ملك الموت : فكيف وجدت الدنيا ؟ قال
نوح : مثل دار لها بابان دخلت من هذا وخرجت من هذا . وروي من حديث
أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لما بعث الله نوحا إلى قومه بعثه وهو ابن خمسين ومائتي سنة فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وبقي بعد الطوفان خمسين ومائتي سنة ، فلما أتاه ملك الموت قال يا نوح يا أكبر الأنبياء ويا طويل العمر ويا مجاب الدعوة كيف رأيت الدنيا . قال : مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الآخر وقد قيل : دخل من أحدهما وجلس هنيهة ثم خرج من الباب الآخر وقال
ابن الوردي : بنى
نوح بيتا من قصب فقيل له : لو بنيت غير هذا فقال : هذا كثير لمن يموت . وقال
أبو المهاجر : لبث
نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما في بيت من شعر ، فقيل له : يا نبي الله ابن بيتا . فقال : أموت اليوم أو أموت غدا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : مرت
بنوح خمسمائة سنة لم
[ ص: 307 ] يقرب النساء وجلا من الموت وقال
مقاتل وجويبر : إن
آدم عليه السلام حين كبر ورق عظمه قال : يا رب إلى متى أكد وأسعى ؟ قال يا
آدم حتى يولد لك ولد مختون ، فولد له
نوح بعد عشرة أبطن ، وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عاما . وقال بعضهم : إلا أربعين عاما والله أعلم فكان
نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس وهو أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ، وكان اسم
نوح السكن . وإنما سمي السكن ; لأن الناس بعد
آدم سكنوا إليه ، فهو أبوهم . وولد له
سام وحام ويافث ، فولد
سام العرب وفارس والروم . وفي كل هؤلاء خير وولد
حام القبط والسودان والبربر . وولد
يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج ، وليس في شيء من هؤلاء خير . وقال
ابن عباس : في ولد
سام بياض وأدمة وفي ولد
حام سواد وبياض قليل وفي ولد
يافث - وهم
الترك والصقالبة - الصفرة والحمرة وكان له ولد رابع وهو
كنعان الذي غرق والعرب تسميه
يام وسمي نوح نوحا ; لأنه ناح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى ، فإذا كفروا بكى وناح عليهم . وذكر
القشيري أبو القاسم عبد الكريم في كتاب التخبير له : يروى أن
نوحا عليه السلام كان اسمه يشكر ، ولكن لكثرة بكائه على خطيئته ; أوحى الله إليه : يا نوح كم تنوح ، فسمي نوحا ; فقيل : يا رسول الله فأي شيء كانت خطيئته ؟ فقال : " إنه مر بكلب ، فقال في نفسه ما أقبحه ، فأوحى الله إليه اخلق أنت أحسن من هذا " . وقال
يزيد الرقاشي : إنما سمي
نوحا لطول ما ناح على نفسه . فإن قيل :
فلم قال : ( ألف سنة إلا خمسين عاما ) ولم يقل : تسعمائة وخمسين عاما . ففيه جوابان : أحدهما : أن المقصود به تكثير العدد فكان ذكره الألف أكثر في اللفظ وأكثر في العدد . الثاني : ما روي أنه أعطي من العمر ألف سنة ، فوهب من عمره خمسين سنة لبعض ولده فلما حضرته الوفاة رجع في استكمال الألف ، فذكر الله تعالى ذلك تنبيها على أن النقيصة كانت من جهته .
فأخذهم الطوفان قال
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وقتادة : المطر . الضحاك : الغرق . وقيل : الموت . روته
عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنه قول الشاعر :
أفناهم طوفان موت جارف
[ ص: 308 ] قال
النحاس : يقال لكل كثير مطيف بالجميع من مطر أو قتل أو موت : طوفان .
وهم ظالمون جملة في موضع الحال و
ألف سنة منصوب على الظرف
إلا خمسين عاما منصوب على الاستثناء من الموجب ، وهو عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه بمنزلة المفعول ; لأنه مستغنى عنه كالمفعول ، فأما
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد أبو العباس محمد بن يزيد فهو عنده مفعول محض ; كأنك قلت استثنيت زيدا .
تنبيه : روى
حسان بن غالب بن نجيح أبو القاسم المصري حدثنا
مالك بن أنس عن
الزهري عن
ابن المسيب عن
أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
كان جبريل يذاكرني فضل عمر فقلت يا جبريل ما بلغ فضل عمر قال لي : يا محمد لو لبثت معك ما لبث نوح في قومه ما بلغت لك فضل عمر ) ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب أبو بكر أحمد بن ثابت البغدادي وقال تفرد بروايته
حسان بن غالب عن
مالك وليس بثابت من حديثه .
قوله تعالى :
فأنجيناه وأصحاب السفينة معطوف على الهاء .
وجعلناها آية للعالمين والهاء والألف في ( جعلناها ) للسفينة أو للعقوبة أو للنجاة ; ثلاثة أقوال .