الثالثة :
قوله تعالى : وعملوا الصالحات رد على من يقول : إن الإيمان بمجرده يقتضي الطاعات ; لأنه لو كان ذلك ما أعادها فالجنة تنال بالإيمان والعمل الصالح . وقيل : الجنة تنال بالإيمان ، والدرجات تستحق بالأعمال الصالحات . والله أعلم .
" أن لهم " في موضع نصب ب " بشر " والمعنى وبشر الذين آمنوا بأن لهم ، أو لأن لهم ، فلما سقط الخافض عمل الفعل . وقال
الكسائي وجماعة من
البصريين : " أن " في موضع خفض بإضمار الباء .
" جنات " في موضع نصب اسم أن ، " وأن وما عملت فيه في موضع المفعول الثاني . والجنات : البساتين ، وإنما سميت جنات لأنها تجن من فيها أي تستره بشجرها ، ومنه : المجن والجنين والجنة .
" تجري " في موضع النعت لجنات وهو مرفوع ; لأنه فعل مستقبل فحذفت الضمة من الياء لثقلها معها .
من تحتها : أي من تحت أشجارها ، ولم يجر لها ذكر ; لأن الجنات دالة عليها .
الأنهار أي ماء الأنهار ، فنسب الجري إلى الأنهار توسعا ، وإنما يجري الماء وحده فحذف اختصارا ، كما قال تعالى :
واسأل القرية أي أهلها . وقال الشاعر :
نبئت أن النار بعدك أوقدت واستب بعدك يا كليب المجلس
أراد : أهل المجلس ، فحذف . والنهر : مأخوذ من أنهرت ، أي وسعت ، ومنه قول
قيس بن الخطيم :
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها
أي وسعتها ، يصف طعنة . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830476ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه [ ص: 229 ] فكلوه . معناه : ما وسع الذبح حتى يجري الدم كالنهر . وجمع النهر : نهر وأنهار . ونهر نهر : كثير الماء ، قال
أبو ذؤيب :
أقامت به فابتنت خيمة على قصب وفرات نهر
وروي : أن أنهار الجنة ليست في أخاديد ، إنما تجري على سطح الجنة منضبطة بالقدرة حيث شاء أهلها . والوقف على الأنهار حسن وليس بتام لأن قوله : كلما رزقوا منها من ثمرة من وصف الجنات .
" رزقا " مصدره ، وقد تقدم القول في الرزق .
ومعنى : من قبل يعني في الدنيا ، وفيه وجهان : أحدهما : أنهم قالوا هذا الذي وعدنا به في الدنيا . والثاني : هذا الذي رزقنا في الدنيا ; لأن لونها يشبه لون ثمار الدنيا ، فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك وقيل : من قبل يعني في الجنة لأنهم يرزقون ثم يرزقون ، فإذا أتوا بطعام وثمار في أول النهار فأكلوا منها ، ثم أتوا منها في آخر النهار قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل ، يعني أطعمنا في أول النهار ; لأن لونه يشبه ذلك ، فإذا أكلوا منها وجدوا لها طعما غير طعم الأول .
وأتوا فعلوا من أتيت . وقرأه الجماعة بضم الهمزة والتاء . وقرأ
هارون الأعور " وأتوا " بفتح الهمزة والتاء . فالضمير في القراءة الأولى لأهل الجنة ، وفي الثانية للخدام .
" به متشابها " حال من الضمير في به ، أي يشبه بعضه بعضا في المنظر ويختلف في الطعم . قاله
ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم . وقال
عكرمة : يشبه ثمر الدنيا ويباينه في جل الصفات .
ابن عباس : هذا على وجه التعجب ، وليس في الدنيا شيء مما في الجنة سوى الأسماء ، فكأنهم تعجبوا لما رأوه من حسن الثمرة وعظم خلقها . وقال
قتادة : خيارا لا رذل فيه ، كقوله تعالى :
كتابا متشابها وليس كثمار الدنيا التي لا تتشابه ; لأن فيها خيارا وغير خيار .
ولهم فيها أزواج ابتداء وخبر . وأزواج : جمع زوج . والمرأة : زوج الرجل . والرجل زوج المرأة . قال
الأصمعي : ولا تكاد العرب تقول زوجة . وحكى
الفراء أنه يقال : زوجة ، وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
[ ص: 230 ] وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر في شأن
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : والله إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلاكم . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، واختاره
الكسائي .
مطهرة نعت للأزواج ومطهرة في اللغة أجمع من طاهرة وأبلغ ، ومعنى هذه الطهارة من الحيض والبصاق وسائر أقذار الآدميات . ذكر
عبد الرزاق قال : أخبرني
الثوري عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : " مطهرة " قال : لا يبلن ولا يتغوطن ولا يلدن ولا يحضن ولا يمنين ولا يبصقن . وقد أتينا على هذا كله في وصف أهل الجنة وصفة الجنة ونعيمها من كتاب التذكرة . والحمد لله .
وهم فيها خالدون : " هم " مبتدأ . " خالدون " خبره ، والظرف ملغى . ويجوز في غير القرآن نصب خالدين على الحال . والخلود : البقاء ومنه جنة الخلد . وقد تستعمل مجازا فيما يطول ، ومنه قولهم في الدعاء : خلد الله ملكه أي طوله . قال
زهير :
ألا لا أرى على الحوادث باقيا ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا
وأما الذي في الآية فهو أبدي حقيقة .