قوله تعالى :
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقينقوله تعالى : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا قال
ابن عباس في رواية
أبي صالح : لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين : يعني
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا وقوله :
أو كصيب من السماء قالوا : الله أجل وأعلى من أن يضرب
الأمثال ، فأنزل الله هذه الآية . وفي رواية
عطاء عن
ابن عباس قال : لما ذكر الله آلهة المشركين فقال :
وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت ، قالوا : أرأيت حيث
[ ص: 231 ] ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على
محمد ، أي شيء يصنع ؟ فأنزل الله الآية . وقال
الحسن وقتادة : لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل ، ضحكت
اليهود وقالوا : ما يشبه هذا كلام الله ، فأنزل الله الآية .
و " يستحيي " أصله يستحيي ، عينه ولامه حرفا علة ، أعلت اللام منه بأن استثقلت الضمة على الياء فسكنت . واسم الفاعل على هذا : مستحي ، والجمع مستحيون ومستحيين . وقرأ
ابن محيصن " يستحي " بكسر الحاء وياء واحدة ساكنة ، وروي عن
ابن كثير ، وهي لغة
تميم وبكر بن وائل ، نقلت فيها حركة الياء الأولى إلى الحاء فسكنت ، ثم استثقلت الضمة على الثانية فسكنت ، فحذفت إحداهما للالتقاء ، واسم الفاعل مستح ، والجمع مستحون ومستحين . قاله
الجوهري . واختلف المتأولون في معنى يستحيي في هذه الآية فقيل : لا يخشى ، ورجحه
الطبري ، وفي التنزيل :
وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه بمعنى تستحي . وقال غيره : لا يترك . وقيل : لا يمتنع . وأصل الاستحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفا من مواقعة القبيح ، وهذا محال على الله تعالى . وفي صحيح
مسلم عن
أم سلمة رضي الله عنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830210جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن الله لا يستحيي من الحق . المعنى لا يأمر بالحياء فيه ، ولا يمتنع من ذكره .
قوله تعالى :
أن يضرب مثلا ما يضرب معناه يبين ، وأن مع الفعل في موضع نصب بتقدير حذف من . ( مثلا ) منصوب ب " يضرب " . ( بعوضة ) في نصبها أربعة أوجه : الأول : تكون ( ما ) زائدة ، و ( بعوضة ) بدلا من مثلا . الثاني : تكون ( ما ) نكرة في موضع نصب على البدل من قوله : ( مثلا ) و ( بعوضة ) نعت لما ، فوصفت ما بالجنس المنكر لإبهامها لأنها بمعنى قليل ، قاله
الفراء والزجاج وثعلب . الثالث : نصبت على تقدير إسقاط الجار ، المعنى أن يضرب مثلا ما بين بعوضة ،
[ ص: 232 ] فحذفت " بين " وأعربت بعوضة بإعرابها ، والفاء بمعنى إلى ، أي إلى ما فوقها . وهذا قول
الكسائي والفراء أيضا ، وأنشد
أبو العباس :
يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم ولا حبال محب واصل تصل
أراد ما بين قرن ، فلما أسقط " بين " نصب .
الرابع : أن يكون يضرب بمعنى يجعل ، فتكون بعوضة المفعول الثاني . وقرأ
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=12356وإبراهيم بن أبي عبلة nindex.php?page=showalam&ids=15876ورؤبة بن العجاج " بعوضة " بالرفع ، وهي لغة
تميم . قال
أبو الفتح : ووجه ذلك أن ما اسم بمنزلة الذي ، وبعوضة رفع على إضمار المبتدأ ، التقدير : لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضة مثلا ، فحذف العائد على الموصول وهو مبتدأ . ومثله قراءة بعضهم : تماما على الذي أحسن ، أي على الذي هو أحسن . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، أي هو قائل . قال
النحاس : والحذف في " ما " أقبح منه في الذي ; لأن الذي إنما له وجه واحد والاسم معه أطول . ويقال : إن معنى ضربت له مثلا ، مثلت له مثلا . وهذه الأبنية على ضرب واحد ، وعلى مثال واحد ونوع واحد والضرب النوع . والبعوضة : فعولة من بعض إذا قطع اللحم ، يقال : بضع وبعض بمعنى ، وقد بعضته تبعيضا ، أي جزأته فتبعض . والبعوض : البق ، الواحدة بعوضة ، سميت بذلك لصغرها . قاله
الجوهري وغيره .