قوله تعالى : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون .
قوله تعالى :
يدبر الأمر من السماء إلى الأرض قال
ابن عباس : ينزل القضاء والقدر . وقيل : ينزل الوحي مع
جبريل . وروى
عمرو بن مرة عن
عبد الرحمن بن سابط قال : يدبر أمر الدنيا أربعة :
جبريل ،
وميكائيل ،
وملك الموت ،
وإسرافيل ; صلوات الله عليهم أجمعين . فأما
جبريل فموكل بالرياح والجنود . وأما
ميكائيل فموكل بالقطر والماء . وأما
ملك الموت فموكل بقبض الأرواح . وأما
إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم . وقد قيل : إن العرش موضع التدبير ; كما أن ما دون العرش موضع التفصيل ; قال الله تعالى :
ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات . وما دون السماوات موضع التصريف ; قال الله تعالى :
ولقد صرفناه بينهم ليذكروا .
قوله تعالى :
ثم يعرج إليه قال
يحيى بن سلام : هو
جبريل يصعد إلى السماء بعد نزوله بالوحي .
النقاش : هو الملك الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض . وقيل : إنها أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع حملتها من الملائكة ; قاله
ابن شجرة .
في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون . وقيل :
ثم يعرج إليه أي يرجع ذلك الأمر والتدبير إليه بعد انقضاء الدنيا
في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون وهو يوم القيامة . وعلى الأقوال المتقدمة فالكناية في يعرج كناية عن الملك ، ولم يجر له ذكر لأنه مفهوم من المعنى ، وقد جاء صريحا في
[ ص: 82 ] سأل سائل قوله :
تعرج الملائكة والروح إليه . والضمير في إليه يعود على السماء على لغة من يذكرها ، أو على مكان الملك الذي يرجع إليه ، أو على اسم الله تعالى ; والمراد إلى الموضع الذي أقره فيه ، وإذا رجعت إلى الله فقد رجعت إلى السماء ، أي إلى سدرة المنتهى ; فإنه إليها يرتفع ما يصعد به من الأرض ومنها ينزل ما يهبط به إليها ; ثبت معنى ذلك في صحيح
مسلم . والهاء في مقداره راجعة إلى التدبير ; والمعنى : كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة من سني الدنيا ; أي يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ، ثم يلقيه إلى ملائكته ، فإذا مضت قضى لألف سنة أخرى ، ثم كذلك أبدا ; قاله
مجاهد . وقيل : الهاء للعروج .
وقيل : المعنى أنه يدبر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، ثم يعرج إليه ذلك الأمر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة . وقيل : المعنى يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع ، في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة . وقال
ابن عباس : المعنى كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة ; لأن النزول خمسمائة والصعود خمسمائة . وروي ذلك عن جماعة من المفسرين ، وهو اختيار
الطبري ; ذكره
المهدوي . وهو معنى القول الأول . أي أن
جبريل لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم ; ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي عن
ابن عباس والضحاك أن الملك يصعد في يوم مسيرة ألف سنة .
وعن
قتادة أن الملك ينزل ويصعد في يوم مقداره ألف سنة ; فيكون مقدار نزوله خمسمائة سنة ، ومقدار صعوده خمسمائة على قول
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . وعلى قول
ابن عباس والضحاك : النزول ألف سنة ، والصعود ألف سنة . مما تعدون أي مما تحسبون من أيام الدنيا . وهذا اليوم عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة من سني العالم ، وليس بيوم يستوعب نهارا بين ليلتين ; لأن ذلك ليس عند الله . والعرب قد تعبر عن مدة العصر باليوم ; كما قال الشاعر :
يومان يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تأويب
وليس يريد يومين مخصوصين ، وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين ، فعبر عن كل واحد من الشطرين بيوم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة : يعرج على البناء للمفعول . وقرئ : ( يعدون ) بالياء . فأما
قوله تعالى : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فمشكل مع هذه الآية . وقد
[ ص: 83 ] سأل
عبد الله بن فيروز الديلمي nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس عن هذه الآية وعن قوله :
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فقال : أيام سماها سبحانه ، وما أدري ما هي ؟ فأكره أن أقول فيها ما لا أعلم . ثم سئل عنها سعيد بن المسيب فقال : لا أدري . فأخبرته بقول
ابن عباس فقال ابن المسيب للسائل : هذا
ابن عباس اتقى أن يقول فيها وهو أعلم مني . ثم تكلم العلماء في ذلك فقيل : إن آية
سأل سائل هو إشارة إلى يوم القيامة ، بخلاف هذه الآية . والمعنى : أن الله تعالى جعله في صعوبته على الكفار كخمسين ألف سنة ; قاله
ابن عباس . والعرب تصف أيام المكروه بالطول وأيام السرور بالقصر . قال :
ويوم كظل الرمح قصر طوله دم الزق عنا واصطفاق المزاهر
وقيل :
إن يوم القيامة فيه أيام ; فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة . وقيل : أوقات القيامة مختلفة ، فيعذب الكافر بجنس من العذاب ألف سنة ، ثم ينتقل إلى جنس آخر مدته خمسون ألف سنة . وقيل : مواقف القيامة خمسون موقفا ; كل موقف ألف سنة . فمعنى :
يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة أي مقدار وقت ، أو موقف من يوم القيامة . وقال
النحاس : اليوم في اللغة بمعنى الوقت ; فالمعنى : تعرج الملائكة والروح إليه في وقت كان مقداره ألف سنة ، وفي وقت آخر كان مقداره خمسين ألف سنة . وعن وهب بن منبه :
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال : ما بين أسفل الأرض إلى العرش . وذكر
الثعلبي عن
مجاهد وقتادة والضحاك في قوله تعالى :
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة أراد من الأرض إلى سدرة المنتهى التي فيها
جبريل . يقول تعالى : يسير
جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا . وقوله : ( إليه ) يعني إلى المكان الذي أمرهم الله تعالى أن يعرجوا إليه . وهذا كقول
إبراهيم عليه الصلاة والسلام :
إني ذاهب إلى ربي سيهدين أراد أرض
الشام . وقال تعالى :
ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله أي إلى
المدينة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
أتاني ملك من ربي عز وجل برسالة ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى على الأرض لم يرفعها بعد .