قوله تعالى :
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما .
فيه ست مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
ادعوهم لآبائهم نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة ، على ما تقدم بيانه . وفي قول
ابن عمر : ما كنا ندعو
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة إلا
زيد بن
محمد ، دليل على أن
التبني كان معمولا به في الجاهلية والإسلام ، يتوارث به ويتناصر ، إلى أن نسخ الله ذلك بقوله .
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله أي أعدل . فرفع الله
حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه ، وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا ; فيقال : كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جلده وظرفه ضمه إلى نفسه ، وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه ، وكان ينسب إليه فيقال فلان بن فلان . وقال
النحاس : هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني ، وهو من
نسخ السنة بالقرآن ; فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف ، فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه ، فإن لم يكن له ولاء معروف قال له يا أخي ; يعني في الدين ، قال الله تعالى :
إنما المؤمنون إخوة .
الثانية : لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبني فإن كان على جهة الخطأ ، وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد فلا إثم ولا مؤاخذة ; لقوله تعالى
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكذلك لو دعوت رجلا إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فليس عليك بأس ; قاله
قتادة . ولا يجري هذا المجرى ما غلب عليه اسم التبني كالحال في
المقداد بن عمرو فإنه كان غلب عليه نسب التبني ، فلا يكاد يعرف إلا
nindex.php?page=showalam&ids=53بالمقداد بن الأسود ; فإن
الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية وعرف به . فلما نزلت الآية قال
المقداد : أنا
ابن [ ص: 113 ] عمرو ; ومع ذلك فبقي الإطلاق عليه . ولم يسمع فيمن مضى من عصى مطلق ذلك عليه وإن كان متعمدا . وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=267سالم مولى أبي حذيفة ، كان يدعى
لأبي حذيفة . وغير هؤلاء ممن تبني وانتسب لغير أبيه وشهر بذلك وغلب عليه . وذلك بخلاف الحال في
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة ; فإنه لا يجوز أن يقال فيه
زيد بن
محمد ، فإن قاله أحد متعمدا عصى لقوله تعالى :
ولكن ما تعمدت قلوبكم أي فعليكم الجناح . والله أعلم . ولذلك قال بعده :
وكان الله غفورا رحيما أي غفورا للعمد ورحيما برفع إثم الخطأ .
الثالثة : وقد قيل : إن قول الله تبارك وتعالى :
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم مجمل ; أي وليس عليكم جناح في شيء أخطأتم ، وكانت فتيا
عطاء وكثير من العلماء . على هذا إذا حلف رجل ألا يفارق غريمه حتى يستوفي منه حقه ، فأخذ منه ما يرى أنه جيد من دنانير فوجدها زيوفا أنه لا شيء عليه . وكذلك عنده إذا حلف ألا يسلم على فلان فسلم عليه وهو لا يعرفه أنه لا يحنث ; لأنه لم يتعمد ذلك . و ( ما ) في موضع خفض ردا على ( ما ) التي مع أخطأتم . ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ ; والتقدير : ولكن الذي تؤاخذون به ما تعمدت قلوبكم . قال
قتادة وغيره : من نسب رجلا إلى غير أبيه ، وهو يرى أنه أبوه خطأ ، فذلك من الذي رفع الله فيه الجناح . وقيل : هو أن يقول له في المخاطبة : يا بني ; على غير تبن .
الرابعة : الأدعياء جمع الدعي ، وهو الذي يدعى ابنا لغير أبيه ، أو يدعي غير أبيه والمصدر الدعوة بالكسر فأمر تعالى بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب ، فمن جهل ذلك فيه ولم تشتهر أنسابهم كان مولى وأخا في الدين . وذكر
الطبري أن
أبا بكرة قرأ هذه الآية وقال : أنا ممن لا يعرف أبوه ، فأنا أخوكم في الدين ومولاكم . قال الراوي عنه : ولو علم - والله - أن أباه حمار لانتمى إليه ، ورجال الحديث يقولون في
أبي بكرة نفيع بن الحارث .
الخامسة : روي في الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة كلاهما قال سمعته أذناي ووعاه قلبي
محمدا صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832321من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام . وفي حديث
أبي ذر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832322ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر .