قوله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا .
فيه سبع مسائل :
الأولى :
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن لما جرت قصة
زيد وتطليقه
زينب ، وكانت مدخولا بها ، وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء عدتها - كما بيناه - خاطب الله المؤمنين بحكم الزوجة تطلق قبل البناء ، وبين ذلك الحكم للأمة ، فالمطلقة إذا لم تكن ممسوسة لا عدة عليها بنص الكتاب وإجماع الأمة على ذلك . فإن دخل بها فعليها العدة إجماعا .
الثانية :
النكاح حقيقة في الوطء ، وتسمية العقد نكاحا لملابسته له من حيث إنه طريق
[ ص: 185 ] إليه . ونظيره تسميتهم الخمر إثما لأنه سبب في اقتراف الإثم . ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد ، لأنه في معنى الوطء ، وهو من آداب القرآن ، الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان .
الثالثة : استدل بعض العلماء بقوله تعالى : ( ثم طلقتموهن ) وبمهلة ( ثم ) على أن
الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح وأن من طلق المرأة قبل نكاحها وإن عينها ، فإن ذلك لا يلزمه . وقال هذا نيف على ثلاثين من صاحب وتابع وإمام . سمى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري منهم اثنين وعشرين . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=832367لا طلاق قبل نكاح ومعناه : أن الطلاق لا يقع حتى يحصل النكاح . قال
حبيب بن أبي ثابت : سئل
علي بن الحسين رضي الله عنهما عن رجل
قال لامرأة : إن تزوجتك فأنت طالق ؟ فقال : ليس بشيء ، ذكر الله عز وجل النكاح قبل الطلاق . وقالت طائفة من أهل العلم : إن طلاق المعينة الشخص أو القبيلة أو البلد لازم قبل النكاح ، منهم
مالك وجميع أصحابه ، وجمع عظيم من علماء الأمة . وقد مضى في ( براءة ) الكلام فيها ودليل الفريقين . والحمد لله . فإذا
قال : كل امرأة أتزوجها [ طالق ] وكل عبد أشتريه حر ، لم يلزمه شيء . وإن
قال : كل امرأة أتزوجها إلى عشرين سنة ، أو إن تزوجت من بلد فلان أو من بني فلان فهي طالق ، لزمه الطلاق ما لم يخف العنت على نفسه في طول السنين ، أو يكون عمره في الغالب لا يبلغ ذلك ، فله أن يتزوج . وإنما لم يلزمه الطلاق إذا عمم لأنه ضيق على نفسه المناكح ، فلو منعناه ألا يتزوج لحرج وخيف عليه العنت . وقد قال بعض أصحابنا : إنه إن وجد ما يتسرر به لم ينكح ، وليس بشيء وذلك أن الضرورات والأعذار ترفع الأحكام ، فيصير هذا من حيث الضرورة كمن لم يحلف ، قاله ابن خويز منداد .
الرابعة : استدل
داود - ومن قال بقوله - إن المطلقة الرجعية إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ثم فارقها قبل أن يمسها ، أنه ليس عليها أن تتم عدتها ولا عدة مستقبلة ، لأنها مطلقة قبل الدخول بها . وقال
عطاء بن أبي رباح وفرقة : تمضي في عدتها من طلاقها الأول
[ ص: 186 ] - وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - ; لأن طلاقه لها إذا لم يمسها في حكم من طلقها في عدتها قبل أن يراجعها . ومن طلق امرأته في كل طهر مرة بنت ولم تستأنف . وقال
مالك : إذا فارقها قبل أن يمسها إنها لا تبني على ما مضى من عدتها ، وإنها تنشئ من يوم طلقها عدة مستقبلة . وقد ظلم زوجها نفسه وأخطأ إن كان ارتجعها ولا حاجة له بها . وعلى هذا أكثر أهل العلم ، لأنها في حكم الزوجات المدخول بهن في النفقة والسكنى وغير ذلك ، ولذلك تستأنف العدة من يوم طلقت ، وهو قول جمهور فقهاء
البصرة والكوفة ومكة والمدينة والشام . وقال
الثوري : أجمع الفقهاء عندنا على ذلك .
الخامسة : فلو كانت بائنة غير مبتوتة فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول فقد اختلفوا في ذلك أيضا ، فقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر nindex.php?page=showalam&ids=16542وعثمان البتي : لها نصف الصداق وتتم بقية العدة الأولى . وهو قول
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=13283وابن شهاب . وقال
أبو حنيفة وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، : لها مهر كامل للنكاح الثاني وعدة مستقبلة . جعلوها في حكم المدخول بها لاعتدادها من مائه . وقال
داود : لها نصف الصداق ، وليس عليها بقية العدة الأولى ولا عدة مستقبلة . والأولى ما قاله
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، والله أعلم .
السادسة : هذه الآية مخصصة لقوله تعالى :
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، ولقوله :
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر . وقد مضى في ( البقرة ) ، ومضى فيها الكلام في المتعة ، فأغنى عن الإعادة هنا . " وسرحوهن سراحا جميلا " فيه وجهان : أحدهما : أنه دفع المتعة بحسب الميسرة والعسرة ، قاله
ابن عباس . الثاني : أنه طلاقها طاهرا من غير جماع ، قاله
قتادة . وقيل : فسرحوهن بعد الطلاق إلى أهلهن ، فلا يجتمع الرجل والمطلقة في موضع واحد .
السابعة : " فمتعوهن " قال
سعيد : هي منسوخة بالآية التي في البقرة ، وهي قوله :
وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم أي فلم يذكر المتعة . وقد مضى الكلام في هذا في ( البقرة ) مستوفى . وقوله ( وسرحوهن ) طلقوهن . والتسريح كناية عن الطلاق عند
أبي حنيفة ، لأنه يستعمل في غيره فيحتاج إلى النية . وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي صريح . وقد مضى في ( البقرة ) القول فيه فلا معنى للإعادة . ( جميلا ) سنة ، غير بدعة .