قوله تعالى :
لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا .
فيه سبع مسائل :
الأولى : اختلف العلماء في
تأويل قوله : لا يحل لك النساء من بعد على أقوال سبعة :
الأول : أنها منسوخة بالسنة ، والناسخ لها حديث
عائشة ، قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832378ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء . وقد تقدم .
[ ص: 199 ] الثاني : أنها منسوخة بآية أخرى ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن
أم سلمة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864642لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء من شاء ، إلا ذات محرم ، وذلك قوله عز وجل : ترجي من تشاء منهن وتئوي إليك من تشاء . قال
النحاس : وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية ، وهو وقول
عائشة واحد في النسخ . وقد يجوز أن تكون
عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن . وهو مع هذا قول
علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16600وعلي بن الحسين والضحاك . وقد عارض بعض فقهاء الكوفيين فقال : محال أن تنسخ هذه الآية ، يعني
ترجي من تشاء منهن لا يحل لك النساء من بعد وهي قبلها في المصحف الذي أجمع عليه المسلمون ورجح قول من قال نسخت بالسنة .
قال
النحاس : وهذه المعاوضة لا تلزم ، وقائلها غالط ؛ لأن القرآن بمنزلة سورة واحدة ، كما صح عن
ابن عباس : أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان . ويبين لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم أن قوله عز وجل :
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج منسوخة على قول أهل التأويل - لا نعلم بينهم خلافا - بالآية التي قبلها
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا .
الثالث :
أنه صلى الله عليه وسلم حظر عليه أن يتزوج على نسائه ، لأنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، هذا قول
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=11947وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . قال
النحاس : وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثم نسخ .
الرابع : أنه لما حرم عليهن أن يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=131أبو أمامة بن سهل بن حنيف .
الخامس :
لا يحل لك النساء من بعد أي من بعد الأصناف التي سميت ، قاله
أبي بن كعب وعكرمة وأبو رزين ، وهو اختيار
محمد بن جرير . ومن قال إن الإباحة كانت له مطلقة قال هنا :
لا يحل لك النساء معناه لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات . وهذا تأويل فيه بعد .
وروي عن
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وعكرمة أيضا . وهو القول السادس . قال
مجاهد : لئلا تكون كافرة أما للمؤمنين . وهذا القول يبعد ، لأنه يقدره : من بعد المسلمات ، ولم يجر للمسلمات ذكر . وكذلك قدر
ولا أن تبدل بهن أي ولا أن تطلق مسلمة لتستبدل بها كتابية .
[ ص: 200 ] السابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حلال أن يتزوج من شاء ثم نسخ ذلك . قال : وكذلك كانت الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي .
الثانية :
قوله تعالى : ولا أن تبدل بهن من أزواج قال
ابن زيد : هذا شيء كانت العرب تفعله ، يقول أحدهم : خذ زوجتي وأعطني زوجتك ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : كان
البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك ، فأنزل الله عز وجل
ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864643فدخل عيينة بن حصن الفزاري على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة ، فدخل بغير إذن ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عيينة فأين الاستئذان ؟ فقال : يا رسول الله ، ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت . قال : من هذه الحميراء إلى جنبك ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه عائشة أم المؤمنين قال : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق . فقال : يا عيينة ، إن الله قد حرم ذلك . قال فلما خرج قالت عائشة : يا رسول الله ، من هذا ؟ قال : أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه . وقد أنكر
الطبري والنحاس وغيرهما ما حكاه
ابن زيد عن العرب ، من أنها كانت تبادل بأزواجها . قال
الطبري : وما فعلت العرب قط هذا . وما روي من حديث
عيينة بن حصن من أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده
عائشة . . الحديث ، فليس بتبديل ، ولا أراد ذلك ، وإنما احتقر
عائشة لأنها كانت صبية فقال هذا القول .
قلت : وما ذكرناه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من أن البدل كان في الجاهلية يدل على خلاف ما أنكر من ذلك ، والله أعلم . قال
المبرد : وقرئ لا يحل بالياء والتاء . فمن قرأ بالتاء فعلى معنى جماعة النساء ، وبالياء من تحت على معنى جميع النساء . وزعم
الفراء قال : اجتمعت القراء على أن القراءة بالياء ، وهذا غلط ، وكيف يقال : اجتمعت القراء وقد قرأ
أبو عمرو بالتاء بلا اختلاف عنه .
الثالثة :
قوله تعالى : ولو أعجبك حسنهن قال
ابن عباس : نزل ذلك بسبب
nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس ، أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات عنها
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب حسنها ، فأراد أن يتزوجها ، فنزلت الآية ، وهذا حديث ضعيف قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي .
[ ص: 201 ] الرابعة : في هذه الآية دليل على جواز أن
ينظر الرجل إلى من يريد زواجها . وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=832379أراد المغيرة بن شعبة زواج امرأة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما . وقال عليه السلام لآخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832380انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا أخرجه الصحيح . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي nindex.php?page=showalam&ids=11890وأبو الفرج الجوزي . يعني صفراء أو زرقاء . وقيل رمصاء .
الخامسة :
الأمر بالنظر إلى المخطوبة إنما هو على جهة الإرشاد إلى المصلحة ، فإنه إذا نظر إليها فلعله يرى منها ما يرغبه في نكاحها . ومما يدل على أن الأمر على جهة الإرشاد ما ذكره
أبو داود من حديث
جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832381إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل . فقوله : فإن استطاع فليفعل لا يقال مثله في الواجب . وبهذا قال جمهور الفقهاء
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والكوفيون وغيرهم
وأهل الظاهر . وقد كره ذلك قوم لا مبالاة بقولهم ؛ للأحاديث الصحيحة ، وقوله تعالى :
ولو أعجبك حسنهن .
nindex.php?page=hadith&LINKID=864647وقال سهل بن أبي حثمة : رأيت محمد بن مسلمة يطارد ثبيتة بنت الضحاك على إجار من أجاجير المدينة فقلت له : أتفعل هذا ؟ فقال نعم ! قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها . الإجار : السطح ، بلغة أهل
الشام والحجاز . قال
أبو عبيد : وجمع الإجار أجاجير وأجاجرة .
السادسة : اختلف
فيما يجوز أن ينظر منها ، فقال
مالك :
ينظر إلى وجهها وكفيها ، ولا ينظر إلا بإذنها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد : بإذنها وبغير إذنها إذا كانت مستترة . وقال
الأوزاعي :
ينظر إليها ويجتهد وينظر مواضع اللحم منها . قال
داود : ينظر إلى سائر جسدها ، تمسكا بظاهر اللفظ . وأصول الشريعة ترد عليه في تحريم الاطلاع على العورة . والله أعلم .
السابعة :
قوله تعالى : إلا ما ملكت يمينك اختلف العلماء في
إحلال الأمة الكافرة للنبي صلى الله عليه وسلم على قولين : تحل لعموم قول :
إلا ما ملكت يمينك ، قاله
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير [ ص: 202 ] nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء والحكم . قالوا : قوله تعالى
لا يحل لك النساء من بعد أي لا تحل لك النساء من غير المسلمات ، فأما
اليهوديات والنصرانيات والمشركات فحرام عليك ، أي لا يحل لك أن تتزوج كافرة فتكون أما للمؤمنين ولو أعجبك حسنها ، إلا ما ملكت يمينك ، فإن له أن يتسرى بها . القول الثاني : لا تحل ، تنزيها لقدره عن مباشرة الكافرة ، وقد قال الله تعالى :
ولا تمسكوا بعصم الكوافر فكيف به صلى الله عليه وسلم . و ( ما ) في قوله :
إلا ما ملكت يمينك في موضع رفع بدل من ( النساء ) . ويجوز أن يكون في موضع نصب على استثناء ، وفيه ضعف . ويجوز أن تكون مصدرية ، والتقدير : إلا ملك يمينك ، و ( ملك ) بمعنى مملوك ، وهو في موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس الأول .