[ ص: 210 ] قوله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .
هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته ، وذكر منزلته منه ، وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء ، أو في أمر زوجاته ونحو ذلك . والصلاة من الله رحمته ورضوانه ، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار ، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره .
مسألة : واختلف العلماء في الضمير في قوله : يصلون فقالت فرقة : الضمير فيه لله والملائكة ، وهذا قول من الله تعالى شرف به ملائكته ، فلا يصحبه الاعتراض الذي جاء في
nindex.php?page=hadith&LINKID=832386قول الخطيب : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس الخطيب أنت ، قل ومن يعص الله ورسوله أخرجه الصحيح . قالوا : لأنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير ، ولله أن يفعل في ذلك ما يشاء . وقالت فرقة : في الكلام حذف ، تقديره إن الله يصلي وملائكته يصلون ، وليس في الآية اجتماع في ضمير ، وذلك جائز للبشر فعله . ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت لهذا المعنى ، وإنما قاله لأن الخطيب وقف على ومن يعصهما ، وسكت سكتة . واستدلوا بما رواه
أبو داود عن
عدي بن حاتم nindex.php?page=hadith&LINKID=832387أن خطيبا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يطع الله ورسوله ومن يعصهما . فقال : قم - أو اذهب - بئس الخطيب أنت . إلا أنه يحتمل أن يكون لما خطأه في وقفه وقال له : بئس الخطيب ، أصلح له بعد ذلك جميع كلامه ، فقال : قل ومن يعص الله ورسوله كما في كتاب
مسلم . وهو يؤيد القول الأول بأنه لم يقف على ( ومن يعصهما ) . وقرأ
ابن عباس : ( وملائكته ) بالرفع على موضع اسم الله قبل دخول ( إن ) . والجمهور بالنصب عطفا على المكتوبة .
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فيه خمسة مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه
محمد صلى الله عليه وسلم دون أنبيائه تشريفا له ، ولا خلاف في أن الصلاة عليه فرض
[ ص: 211 ] في العمر مرة ، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت
الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة أم مندوب إليها ؟ قلت : بل واجبة . وقد اختلفوا في حال وجوبها ، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره . وفي الحديث : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=864660من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله ) . ويروى أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=864661قيل له : يا رسول الله ، أرأيت قول الله عز وجل : إن الله وملائكته يصلون على النبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا من العلم المكنون ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به ، إن الله تعالى وكل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلي علي إلا قال ذلك الملكان غفر الله لك وقال الله تعالى وملائكته جوابا لذينك الملكين آمين . ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلي علي إلا قال ذلك الملكان لا غفر الله لك وقال الله تعالى وملائكته لذينك الملكين آمين ) .
ومنهم من قال :
تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره ، كما قال في آية السجدة
وتشميت العاطس . وكذلك في كل دعاء في أوله وآخره ، ومنهم من أوجبها في العمر . وكذلك قال في إظهار الشهادتين . والذي يقتضيه الاحتياط : الصلاة عند كل ذكر ، لما ورد من الأخبار في ذلك .
الثانية : واختلفت الآثار في
صفة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فروى
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=91أبي مسعود الأنصاري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832388أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
طلحة مثله ، بإسقاط قوله : ( في العالمين ) وقوله : ( والسلام كما قد علمتم ) . وفي الباب عن
nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة nindex.php?page=showalam&ids=187وأبي حميد الساعدي nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة وبريدة الخزاعي وزيد بن خارجة ، ويقال
ابن حارثة أخرجها أئمة أهل الحديث في كتبهم . وصحح
[ ص: 212 ] الترمذي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة . خرجه
مسلم في صحيحه مع حديث
nindex.php?page=showalam&ids=187أبي حميد الساعدي . قال
أبو عمر : روى
شعبة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري عن
الحكم بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864663لما نزل قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة ؟ فقال : قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وهذا لفظ حديث
الثوري لا حديث
شعبة وهو يدخل في التفسير المسند إليه لقول الله تعالى :
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فبين كيف الصلاة عليه وعلمهم في التحيات كيف السلام عليه ، وهو قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832389السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .
وروى
المسعودي عن
عون بن عبد الله عن
أبي فاختة عن
الأسود عن
عبد الله أنه قال : إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه ، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه . قالوا فعلمنا ، قال : قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين
محمد عبدك ونبيك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة . اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون . اللهم صل على
محمد وعلى
آل محمد كما صليت على
إبراهيم وعلى
آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على
محمد وعلى
آل محمد كما باركت على
إبراهيم وعلى
آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وروينا بالإسناد المتصل في كتاب ( الشفا )
للقاضي عياض nindex.php?page=hadith&LINKID=831022عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : عدهن في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : عدهن في يدي جبريل وقال هكذا أنزلت من عند رب العزة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى [ ص: 213 ] آل إبراهيم إنك حميد مجيد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : من هذه الروايات صحيح ومنها سقيم ، وأصحها ما رواه
مالك فاعتمدوه . ورواية غير
مالك من زيادة الرحمة مع الصلاة وغيرها لا يقوى ، وإنما على الناس أن ينظروا في أديانهم نظرهم في أموالهم ، وهم لا يأخذون في البيع دينارا معيبا ، وإنما يختارون السالم الطيب ، كذلك لا يؤخذ من الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم سنده ، لئلا يدخل في حيز
الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو يطلب الفضل إذا به قد أصاب النقص ، بل ربما أصاب الخسران المبين .
الثالثة : في
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832390من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا . وقال
سهل بن عبد الله :
الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات ؛ لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته ، ثم أمر بها المؤمنين ، وسائر العبادات ليس كذلك . قال
أبو سليمان الداراني : من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يسأل الله حاجته ، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال :
الدعاء يحجب دون السماء حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاءت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رفع الدعاء . وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864666من صلى علي وسلم علي في كتاب لم تزل الملائكة يصلون عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب .
الرابعة : واختلف العلماء في
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فالذي عليه الجم الغفير والجمهور الكثير : أن ذلك من سنن الصلاة ومستحباتها . قال
ابن المنذر : يستحب ألا يصلي أحد صلاة إلا صلى فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن ترك ذلك تارك فصلاته مجزية في مذهب
مالك وأهل المدينة nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري وأهل الكوفة من أصحاب الرأي وغيرهم . وهو قول جل أهل العلم . وحكي عن
مالك وسفيان أنها في التشهد الأخير مستحبة ، وأن تاركها في التشهد مسيء . وشذ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فأوجب على تاركها في الصلاة الإعادة . وأوجب
إسحاق الإعادة
[ ص: 214 ] مع تعمد تركها دون النسيان . وقال
أبو عمر : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إذا
لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة . قال : وإن صلى عليه قبل ذلك لم تجزه . وهذا قول حكاه عنه
حرملة بن يحيى ، لا يكاد يوجد هكذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلا من رواية
حرملة عنه ، وهو من كبار أصحابه الذين كتبوا كتبه . وقد تقلده أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومالوا إليه وناظروا عليه ، وهو عندهم تحصيل مذهبه . وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أنه لم يقل به أحد من أهل العلم غيره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وهو من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وليست بواجبة في الصلاة ، وهو قول جماعة الفقهاء إلا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ولا أعلم له فيها قدوة . والدليل على أنها ليست من فروض الصلاة عمل السلف الصالح قبل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وإجماعهم عليه ، وقد شنع عليه في هذه المسألة جدا . وهذا تشهد
ابن مسعود الذي اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وهو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك كل من روى التشهد عنه صلى الله عليه وسلم . وقال
ابن عمر : كان
أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب . وعلمه أيضا على المنبر
عمر ، وليس فيه ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
قلت : قد قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة
محمد بن المواز من أصحابنا فيما ذكر
ابن القصار وعبد الوهاب ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي للحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832391إن الله أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك ؟ فعلم الصلاة ووقتها فتعينت كيفية ووقتا . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11958أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أنه قال : لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على أهل بيته لرأيت أنها لا تتم . وروي مرفوعا عنه عن
ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم . والصواب أنه قول
أبي جعفر ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني .
الخامسة : قوله تعالى : عليه وسلموا ، قال
القاضي أبو بكر بن بكير : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر الله أصحابه أن يسلموا عليه . وكذلك من بعدهم أمروا أن يسلموا عليه عند حضورهم قبره وعند ذكره . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه
nindex.php?page=hadith&LINKID=832392أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر يرى في وجهه ، فقلت : إنا لنرى البشرى في وجهك ! فقال : إنه أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا [ ص: 215 ] صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا . وعن
محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
ما منكم من أحد يسلم علي إذا مت إلا جاءني سلامه مع جبريل يقول يا محمد هذا فلان بن فلان يقرأ عليك السلام فأقول وعليه السلام ورحمة الله وبركاته وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832393إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام . قال
القشيري والتسليم قولك : سلام عليك .