قوله تعالى :
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما .
فيه ست مسائل :
الأولى :
قل لأزواجك وبناتك قد مضى الكلام في تفصيل أزواجه واحدة واحدة . قال
قتادة :
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع . خمس من
قريش :
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة ،
nindex.php?page=showalam&ids=10583وأم حبيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=93وسودة ،
nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة . وثلاث من سائر العرب :
ميمونة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15953وزينب بنت جحش ،
nindex.php?page=showalam&ids=149وجويرية . وواحدة من بني
هارون :
صفية . وأما أولاده فكان للنبي صلى الله عليه وسلم أولاد ذكور وإناث ; فالذكور من أولاده :
القاسم ، أمه
خديجة ، وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم ، وهو أول من مات من أولاده ، وعاش سنتين . وقال
عروة : ولدت
خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم
القاسم والطاهر وعبد الله [ ص: 219 ] والطيب . وقال
أبو بكر البرقي : ويقال إن
الطاهر هو
الطيب وهو
عبد الله .
وإبراهيم أمه
مارية القبطية ، ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة ، وتوفي ابن ستة عشر شهرا . وقيل ثمانية عشر ; ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني . ودفن
بالبقيع . وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832401إن له مرضعا تتم رضاعه في الجنة . وجميع
أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من
خديجة سوى
إبراهيم . وكل أولاده ماتوا في حياته غير
فاطمة .
وأما الإناث من أولاده فمنهن :
فاطمة الزهراء بنت
خديجة ، ولدتها
وقريش تبني البيت قبل النبوة بخمس سنين ، وهي أصغر بناته ، وتزوجها
علي رضي الله عنهما في السنة الثانية من الهجرة في رمضان ، وبنى بها في ذي الحجة . وقيل : تزوجها في رجب ، وتوفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير ، وهي أول من لحقه من أهل بيته . رضي الله عنها .
ومنهن :
زينب - أمها
خديجة - تزوجها ابن خالتها
nindex.php?page=showalam&ids=9920أبو العاصي بن الربيع ، وكانت
أم العاصي هالة بنت خويلد أخت
خديجة . واسم
أبي العاصي لقيط . وقيل
هاشم . وقيل
هشيم . وقيل
مقسم . وكانت
أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتوفيت سنة ثمان من الهجرة ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها .
ومنهن :
رقية - أمها
خديجة - تزوجها
عتبة بن أبي لهب قبل النبوة ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه :
تبت يدا أبي لهب قال
أبو لهب لابنه : رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته ; ففارقها ولم يكن بنى بها . وأسلمت حين أسلمت أمها
خديجة ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها حين بايعه النساء ، وتزوجها
عثمان بن عفان ، وكانت نساء
قريش يقلن حين تزوجها
عثمان :
أحسن شخصين رأى إنسان رقية وبعلها عثمان
وهاجرت معه إلى أرض
الحبشة الهجرتين ، وكانت قد أسقطت من
عثمان سقطا ، ثم ولدت بعد ذلك
عبد الله ، وكان
عثمان يكنى به في الإسلام ، وبلغ ست سنين فنقره ديك في وجهه فمات ، ولم تلد له شيئا بعد ذلك . وهاجرت إلى
المدينة ومرضت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى
بدر فخلف
عثمان عليها ، فتوفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم
ببدر ، على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة . وقدم
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة بشيرا من
بدر ، فدخل
المدينة حين سوي التراب على
رقية . ولم يشهد دفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 220 ] ومنهن :
أم كلثوم - أمها
خديجة - تزوجها
عتيبة بن أبي لهب - أخو
عتبة - قبل النبوة ، وأمره أبوه أن يفارقها للسبب المذكور في أمر
رقية ، ولم يكن دخل بها ، فلم تزل
بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت حين أسلمت أمها ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخواتها حين بايعه النساء ، وهاجرت إلى
المدينة حين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما توفيت
رقية تزوجها
عثمان ، وبذلك سمي
ذا النورين . وتوفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع من الهجرة . وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرها ، ونزل في حفرتها
علي والفضل وأسامة . وذكر
الزبير بن بكار أن
أكبر ولد النبي صلى الله عليه وسلم :
القاسم ، ثم
زينب ، ثم
عبد الله ، وكان يقال له
الطيب والطاهر ، وولد بعد النبوة ومات صغيرا ثم
أم كلثوم ، ثم
فاطمة ، ثم
رقية . فمات
القاسم بمكة ثم مات
عبد الله .
لما كانت عادة العربيات التبذل ، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء ، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن ، وتشعب الفكرة فيهن ،
أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن ، وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف - فيقع الفرق بينهن وبين الإماء ، فتعرف الحرائر بسترهن ، فيكف عن معارضتهن من كان عزبا أو شابا . وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة ، فتصيح به فيذهب ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت الآية بسبب ذلك . قال معناه
الحسن وغيره .
الثالثة :
من جلابيبهن الجلابيب جمع جلباب ، وهو ثوب أكبر من الخمار . وروي عن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود أنه الرداء . وقد قيل : إنه القناع . والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن . وفي صحيح
مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=832402عن أم عطية : قلت : يا رسول الله . إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لتلبسها أختها من جلبابها .
الرابعة : واختلف الناس في صورة إرخائه ; فقال
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16536وعبيدة السلماني : ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها . وقال
ابن عباس أيضا
وقتادة : ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ، ثم تعطفه على الأنف ، وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه . وقال
الحسن : تغطي نصف وجهها .
الخامسة :
أمر الله سبحانه جميع النساء بالستر ، وإن ذلك لا يكون إلا بما لا يصف
[ ص: 221 ] جلدها ، إلا إذا كانت مع زوجها فلها أن تلبس ما شاءت ; لأن له أن يستمتع بها كيف شاء . ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=832403استيقظ ليلة فقال : سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن من يوقظ صواحب الحجر رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة . وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=864684أن nindex.php?page=showalam&ids=202دحية الكلبي لما رجع من عند هرقل فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قبطية ; فقال : اجعل صديعا لك قميصا وأعط صاحبتك صديعا تختمر به . والصديع النصف . ثم قال له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864685مرها تجعل تحتها شيئا لئلا يصف . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رقة الثياب للنساء فقال : الكاسيات العاريات الناعمات الشقيات . ودخل نسوة من
بني تميم على
عائشة رضي الله عنها عليهن ثياب رقاق ، فقالت
عائشة : إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات ، وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعنه . وأدخلت امرأة عروس على
عائشة رضي الله عنها وعليها خمار قبطي معصفر ، فلما رأتها قالت : لم تؤمن بسورة ( النور ) امرأة تلبس هذا . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832404نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها . وقال عمر رضي الله عنه : ما يمنع المرأة المسلمة إذ كانت لها حاجة أن تخرج في أطمارها أو أطمار جارتها مستخفية ، لا يعلم بها أحد حتى ترجع إلى بيتها .
السادسة :
قوله تعالى : ذلك أدنى أن يعرفن أي الحرائر ، حتى لا يختلطن بالإماء ; فإذا عرفن لم يقابلن بأدنى من المعارضة مراقبة لرتبة الحرية ، فتنقطع الأطماع عنهن . وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى تعلم من هي . وكان
عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة قد تقنعت ضربها بالدرة ، محافظة على زي الحرائر . وقد قيل : إنه يجب الستر والتقنع الآن في حق الجميع من الحرائر والإماء . وهذا كما أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا النساء المساجد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830301لا تمنعوا إماء الله مساجد الله حتى قالت
عائشة [ ص: 222 ] رضي الله عنها : لو عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا لمنعهن من الخروج إلى المساجد كما منعت نساء
بني إسرائيل .
وكان الله غفورا رحيما تأنيس للنساء في ترك الجلابيب قبل هذا الأمر المشروع .