قوله تعالى :
أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون .
قوله تعالى :
أفمن زين له سوء عمله ( من ) في موضع رفع بالابتداء ، وخبره محذوف . قال
الكسائي : والذي يدل عليه قوله تعالى :
فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فالمعنى : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات . قال : وهذا كلام عربي طريف لا يعرفه إلا قليل . وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري عن
الزجاج . قال
النحاس : والذي قاله
الكسائي أحسن ما قيل في الآية ، لما ذكره من الدلالة على المحذوف ، والمعنى أن الله جل وعز نهى نبيه عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم ، كما قال جل وعز : ( فلعلك باخع نفسك ) قال أهل التفسير : قاتل . قال
نصر بن علي : سألت
الأصمعي عن
nindex.php?page=hadith&LINKID=832425قول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل اليمن : هم أرق قلوبا وأبخع طاعة ما معنى أبخع ؟ فقال : أنصح . فقلت له : إن أهل التفسير
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا وغيره يقولون في قول الله عز وجل :
لعلك باخع نفسك : معناه قاتل نفسك . فقال : هو من ذاك بعينه ، كأنه من شدة النصح لهم قاتل نفسه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14127الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ; مجازه : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء . وقيل : الجواب محذوف ; المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هدي ، ويكون يدل على هذا المحذوف ( فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) . وقرأ
يزيد بن القعقاع : ( فلا تذهب نفسك ) ، وفي
أفمن زين له سوء عمله [ ص: 292 ] أربعة أقوال ، أحدها : أنهم
اليهود والنصارى والمجوس ; قاله
أبو قلابة . ويكون ( سوء عمله ) معاندة الرسول عليه الصلاة والسلام . الثاني : أنهم
الخوارج ; رواه
عمر بن القاسم . فيكون ( سوء عمله ) تحريف التأويل . الثالث : الشيطان ; قاله
الحسن . ويكون ( سوء عمله الإغواء ) . الرابع : كفار
قريش ; قاله
الكلبي . ويكون ( سوء عمله الشرك ) . وقال : إنها نزلت في
العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب . وقال غيره : نزلت في
أبي جهل بن هشام . فرآه حسنا أي صوابا ; قاله
الكلبي . وقال : جميلا .
قلت : والقول بأن المراد كفار
قريش أظهر الأقوال ; لقوله تعالى :
ليس عليك هداهم ، وقوله :
ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ، وقوله :
فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ، وقوله :
لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ، وقوله في هذه الآية :
فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون وهذا ظاهر بين ، أي لا ينفع تأسفك على مقامهم على كفرهم ، فإن الله أضلهم . وهذه الآية ترد على
القدرية قولهم على ما تقدم ; أي أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا تريد أن تهديه ، وإنما ذلك إلى الله لا إليك ، والذي إليك هو التبليغ . وقرأ
أبو جعفر وشيبة وابن محيصن : ( فلا تذهب ) بضم التاء وكسر الهاء ( نفسك ) نصبا على المفعول ، والمعنيان متقاربان . ( حسرات ) منصوب مفعول من أجله ; أي فلا تذهب نفسك للحسرات . و ( عليهم ) صلة تذهب ، كما تقول : هلك عليه حبا ومات عليه حزنا . وهو بيان للمتحسر عليه . ولا يجوز أن يتعلق بالحسرات ; لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته . ويجوز أن يكون حالا كأن صارت ( حسرات ) لفرط التحسر ; كما قال
جرير :
مشق الهواجر لحمهن مع السرى حتى ذهبن كلاكلا وصدورا
يريد : رجعن كلاكلا وصدورا ; أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها . ومنه قول الآخر :
فعلى إثرهم تساقط نفسي حسرات وذكرهم لي سقام
أو مصدرا .
إن الله عليم بما يصنعون .