قوله تعالى :
وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون .
[ ص: 300 ] قوله تعالى : وما يستوي البحران هذا عذب فرات فيه أربع مسائل :
الأولى : قال
ابن عباس : فرات حلو ، وأجاج مر . وقرأ
طلحة : ( هذا ملح أجاج ) بفتح الميم وكسر اللام بغير ألف . وأما المالح فهو الذي يجعل فيه الملح . وقرأ
عيسى وابن أبي إسحاق ( سيغ شرابه ) مثل سيد وميت .
ومن كل تأكلون لحما طريا لا اختلاف في أنه منهما جميعا . وقد مضى في ( النحل ) الكلام فيه .
الثانية : قوله تعالى :
وتستخرجون حلية تلبسونها مذهب
أبي إسحاق أن الحلية إنما تستخرج من الملح ، فقيل منهما لأنهما مختلطان . وقال غيره : إنما تستخرج الأصداف التي فيها الحلية من الدر وغيره من المواضع التي فيها العذب والملح نحو العيون ، فهو مأخوذ منهما ; لأن في البحر عيونا عذبة ، وبينهما يخرج اللؤلؤ عند التمازج . وقيل : من مطر السماء . وقال
محمد بن يزيد قولا رابعا ، قال : إنما تستخرج الحلية من الملح خاصة .
النحاس : وهذا أحسنها وليس هذا عنده ، لأنهما مختلطان ، ولكن جمعا ، ثم أخبر عن أحدهما كما قال جل وعز :
ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله . وكما تقول : لو رأيت
الحسن والحجاج لرأيت خيرا وشرا . وكما تقول : لو رأيت
الأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه لملأت يدك لغة ونحوا . فقد عرف معنى هذا ، وهو كلام فصيح كثير ، فكذا :
ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها فاجتمعا في الأول وانفرد الملح بالثاني .
الثالثة : وفي قول : ( تلبسونها ) ، دليل على أن لباس كل شيء بحسبه ; فالخاتم يجعل في الإصبع ، والسوار في الذراع ، والقلادة في العنق ، والخلخال في الرجل . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن
ابن سيرين قال قلت
لعبيدة : افتراش الحرير كلبسه ؟ قال نعم . وفي ، الصحاح عن
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=832432فقمت على حصير لنا قد اسود من طول ما لبس . الحديث .
الرابعة : قوله تعالى :
وترى الفلك فيه مواخر قال
النحاس : أي ماء الملح خاصة ، ولولا ذلك لقال فيهما . وقد مخرت السفينة تمخر إذا شقت الماء . وقد مضى هذا في ( النحل ) .
[ ص: 301 ] لتبتغوا من فضله قال
مجاهد : التجارة في الفلك إلى البلدان البعيدة : في مدة قريبة ; كما تقدم في ( البقرة ) . وقيل : ما يستخرج من حليته ويصاد من حيتانه .
ولعلكم تشكرون على ما آتاكم من فضله . وقيل : على ما أنجاكم من هوله .